ماذا فعلتي بنا يا غزة؟

كتبت د. نهى خلف :

ماذا فعلتي بنا يا غزة؟

لقد فتحتي كل جروحنا المتراكمة عبر السنين،
وكل الأحلام المطموسة تحت رماد الزمن،
وأدخلتينا في أزقة الأزمنة و الأماكن المتشابكة،

 حتى أصبحنا لا ندري ان كنا في يافا أو بيروت أو غزة،
عبر لعبة المرايا المتداخلة،
في عملية درامية متعددة الأوجه بين سخرية القدر،
والصراع المتشرذم في احشائنا عبر الشتات و الهزائم،
أشكال متناثرة و متناقضة من الصراع من أجل البقاء،
ومن أجل تفريغ  الثقل و الإرث  الأليم  الذي فرض على أكتاف الأجيال الفائتة الضئيلة
او اختفى في القبور والأكفان
فالبعض عمل على التخلص من هذا الإرث عبر البحث عن الشهرة والمال والتشبع بالأفكارالغربية الليبرالية بينما بحث البعض الآخر عن الخلاص عبر الاستشهاد أو الغرق  في بحر الشعر والكلمات والأناشيد،
 حتى تشكلت لوحة سوريالية من  المتناقضات وبروز خلافات و صراعات بين أطياف من الضحايا
و ظهور نوع من العنجهية و الغرور عند البعض الذين  أصبحوا يظنون إنهم فرع من فروع شعب الله المختار،  وقد أدى الضياع والتنافس الى تغييب القدرة على  تجميع  عبقرية الشعب في سيمفونية  جماعية خلافة  متناسقة،  حيث ان  سنوات من التضليل عبرالانتماء الى ايديولوجيات و مناهج وسلوك النيو ليبرالية المتوحشة  منعته من ترجمة هذا  الاختلاف  في استراتيجية  مستقبلية  مثمرة ،
بينما عمل الغرب الغدار وحركته الصهيونية  العنصرية على تعميق الهوة
 بين  أطياف من الضحايا المضللة، التي طرحت أسئلة كانت من الاستحالة الإجابة عليها إلا عبرإدخال  بعض التشويهات، أكانت من فكر
العولمة و مصائبه الذهنية ام  تشوهات  من الفكر الانهزامي  العربي المحاط بها إقليميا، فقد ساهم طول الشتات و تمزقاته الجغرافية والثقافية إلى هذا الضياع،
مما دفع الفكر الفلسطيني ليمشى على رأسه بدلا من على ساقيه و اصبحنا مغيبين نسير في ازقة الازمنة والاماكن المتشابكة  ولا ندري ان كنا في يافا او بيروت او غزة؟
و جئت يا غزة  لتغرقينا  في طوفان تسبب في انقلاب وجداني لهذا الفكرالمتناثر، وليصنع التحام بين جروح الماضي  المطموسة وجرح الحاضر الدامي الآني، لندرك مرة اخرى رغم زمن التبريرو االهرولة ان نكبتنا مستمرة و دمنا لا يزال ينزف و الفقر و القهر قدرنا المستدام،
   وقد تعمق الوعي الفلسطيني والوعي  الثوري في شتى أنحاء العالم،
بأن عهد الامبريالية العاتية والكولونيالية العتيقة لم ينتهي بعد،
  ويمارس قمعه ووحشيته بشكل مركز في هذه البقعة الصغيرة من الأرض التي يعيش فيها قوما من معذبو الارض الفقراء الأبرياء،
وكأن يبدو ان هذا العهد الاجرامي المتسلط شعر ان هذه البقعة الصغيرة التي أصبحت حقل  لتجاربه  في التطهير العرقي والإبادة ، تمثل تحديا لما تبقى له من نزعاته بالهيمنة والاستكبار،
في مواجهة وعي شعب هذه البقعة الصغيرة المستند علي قناعات  روحانية ودينية أصيلة من رواية ارض فلسطين التاريخية المقدسة، التي تقف على نقيض من إيديولوجية الدمار والربح والعنصرية في الفكر الكولونيلي الزائف ألمدمر منذ زمن بعيد  في هذا الكون.
فماذا نفعل نحن يا غزة؟ غير الوقوف على هوامش الزمن  في طابور الانتظار المتعرج الطويل حتى تكتمل الملحمة وتنتهي المأساة .
كاتبة فلسطينية