بعد مئة واثنين وسبعين يوماً على حرب الإبادة الجماعية يحقق مجلس الأمن الدولي نصف نجاح، حين اتخذ قراراً، بوقف الحرب على قطاع غزّة خلال شهر رمضان، ما يعني خلال أسبوعين فقط، سيكون بإمكان إسرائيل المتابعة، هذا في حال التزمت بالقرار.
اختلف المعلّقون على القرار، فمنهم من يرى أنّه ملزم، ومنهم من يرى أنّه غير ملزم لأنّه لم يعتمد البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
الولايات المتحدة التي امتنعت عن التصويت، ما أدّى إلى تمرير القرار، كانت قد أرسلت رسالتين متناقضتين، فالامتناع عن التصويت ينطوي على رسالة تحذير لإسرائيل، وتعبّر عن قدرٍ جدّي من الغضب على حكومة بنيامين نتنياهو، والرسالة الأخرى تقول، إنّها ستواصل دعمها للحرب الإسرائيلية، ولكن وفق ضوابط الولايات المتحدة، خصوصاً فيما يتعلّق برفح.
قرار مجلس الأمن بالنسبة لنتنياهو وحكومته لا يزيد على كونه إضافة إلى الضغوط الدولية، التي قال، إنّها من تمنعه من مواصلة الحرب حتى تحقيق الانتصار الكامل.
في الواقع فإنّ دولة الاحتلال لم تبدِ اهتماماً بأيّ قرارات أو تحقيقات، أو إجراءات غير فعّالة، تصدر عن الأمم المتحدة التي تتهمها حكومة نتنياهو، بأنّها وأمينها العام، بمعاداة السامية وتشجيع ما تسميه الإرهاب.
مرّة أخرى، يبادر نتنياهو لإحراج الإدارة الأميركية حين امتنع عن إرسال وفدٍ كان مقرّراً أن يصل في اليوم التالي، لاجتماع مجلس الأمن، بما يوسّع الهوّة بين سياسات ومصالح الطرفين الحليفين، رغم إصرار المتحدث باسم البيت الأبيض جون كيربي، بأن الامتناع عن التصويت لا يعني أنّ الإدارة الأميركية قد غيّرت سياساتها.
لم يلتزم نتنياهو، لا نظرياً، ولا عملياً بالقرار، حيث واصل جيش الاحتلال الإسرائيلي نشاطاته الحربية العدوانية كالمعتاد، بل وإنه كثّف على نحوٍ ملحوظ القصف على رفح، بالإضافة إلى سلسلة من المجازر التي واصل ارتكابها في بقية المناطق وبالتركيز على المستشفيات.
قبل ذلك، كان نتنياهو و”مجلس حربه”، قد رفض الالتزام بقرار محكمة العدل الدولية، ولكنه حينذاك راهن على الحماية الأميركية، التي بات يرى أنّها تراجعت حين صوّتت المندوبة الأميركية بالامتناع عن التصويت على قرار مجلس الأمن.
لم يشفع لـنتنياهو، تبريره بأن قرار مجلس الأمن سيشجّع حركة حماس على التصلُّب في مفاوضات صفقة التبادل، فلقد سقطت تلك الذريعة لأنّ “حماس” كانت قد قدّمت ردّها على الموقف والشروط الإسرائيلية قبل صدور قرار مجلس الأمن.
تصويت الإدارة الأميركية في مجلس الأمن على النحو الذي وقع يضع نتنياهو وحكومته الفاشية في مأزق داخلياً وخارجياً.
على الصعيد الداخلي، ينسحب جدعون ساعر من “حكومة الطوارئ” الإسرائيلية، ما يمهّد الطريق أمام بيني غانتس للانسحاب تحت ضغط الأضرار التي تواجهها الحكومة في علاقاتها مع الحليف والشريك الأهمّ والدائم لإسرائيل وحربها.
أمّا القنبلة التي تنتظر نتنياهو والمجتمع الإسرائيلي فتتعلّق بموضوع تجنيد “الحريديم”، وعلى المستوى الدولي يشتدّ المأزق الإسرائيلي وتضيق المساحة أمام حكومة التحالف الفاشي، حيث أخذت الكثير من الدول الداعمة والمشاركة في البداية تتبرّأ من أنّها تقدّم دعماً عسكرياً لإسرائيل.
وفي عديد الدول الحليفة لإسرائيل تزداد الضغوط على حكوماتها لوقف تقديم الدعم العسكري، والعالم كلّه يرفض أو يحذّر إسرائيل من نقل حربها إلى رفح، أو توسيع دائرة الحرب في جنوب لبنان مع “حزب الله”.
أربع دول هي: إيرلندا وإسبانيا ومالطا وسلوفينيا أعلنت في بيان مشترك أنّها تنوي الاعتراف بالدولة الفلسطينية وتطالب الدول الأخرى بأن تفعل الشيء ذاته، أما رئيس كولومبيا فقد يفتح الباب أمام سحب اعتراف بلاده بإسرائيل.
نتنياهو لا يتورّع عن أن يصف هذه المواقف بأنّها تشجّع على الإرهاب ولا يقف عند خطوط حمراء، أو صفراء، لتوبيخ الدول التي تصدر عنها مواقف لا ترضي غروره وجنونه.
هكذا فإنّ نتنياهو يتصرّف وقد بات ظهره إلى الحائط، فلا هو مستعدّ لتقديم تنازلات من أجل التوصّل إلى صفقة تبادل، ولا هو يحظى بدعم وغطاء، لنقل الحرب إلى رفح بالطريقة التي يريدها وتعوّد عليها.
وبموافقة نتنياهو على شروط “حماس”، فإنّ ذلك يعني الاعتراف بهزيمة واضحة، وأمّا الرفض فإنّه سيضعه وجهاً لوجه أمام العالم، بما لذلك من تداعيات صعبة على الوضع الداخلي الإسرائيلي.
في كلّ الأحوال وبصرف النظر عن أيّ تطوّرات، فإنّ دولة الاحتلال ليست بصدد وقف حرب الإبادة الجماعية والتجويع، وثمة من يرجّح أن يذهب إلى تصعيد في جنوب لبنان مع “حزب الله”.
في الواقع، تتزايد المؤشّرات على أنّ إسرائيل تتجه نحو تصعيد واسع مع “حزب الله”، خصوصاً أنّها تتعمّد خرق قواعد الاشتباك عَبر القصف في العمق اللبناني.
لا يدرك نتنياهو، العواقب الوخيمة التي تنتظر إسرائيل في حال توسيع الحرب بينما لم تنجح قوّاته في القضاء على المقاومة، في كلّ مواقع القتال، بالرغم من الآثار الكارثية الناجمة عن حرب الإبادة الجماعية لكلّ أشكال الحياة في القطاع.
مع “حزب الله” الأمر سيكون قاسياً على إسرائيل، فما يملكه الحزب من إمكانيات تفوق أضعافاً مضاعفة لما تملكه المقاومة في غزّة، فضلاً عن التداعيات الإقليمية المحتملة.
ولا يدرك نتنياهو أنّ مقاومة غزّة لم تكشف عن كلّ إمكانياتها، فلعلّه يتذكّر العمليات التي نفّذتها المقاومة الفلسطينية خلال انتفاضة الأقصى، وكانت إمكانياتها متواضعة قياساً بما تملكه، اليوم.
ربّما عليه أن يصدّق ما قاله إيهود باراك مبكراً، حين اتهم نتنياهو بأنّه يقود “التايتانيك” الإسرائيلية إلى الغرق.