شهور من العزلة فرضتها جائحة فيروس كورونا مع بداية انتشاره العام الماضي، حملت في طياتها متاعب وآلام، ولم ينجو من كبوتها إلا القليل، ورغم قسوتها إلا أنها كانت حافزا للكثيرين للعودة إلى أنفسهم والتصالح معها ونقدها للوصول إلى حقيقتها، وأعادت الحياة المعهودة قبل سيطرة مواقع التواصل الاجتماعي إلى طبيعتها، فلمت شمل الأسرة ومنحتهم مزيدا من الوقت للتواصل وإعادت ترتيب الحسابات مرة أخرى، بما يتوافق مع طبيعة المرض الذي راح ضحيته ملايين البشر حول العالم.
تلك العزلة أتاحت للكاتب بسام الشماع أن يكتشف نفسه من جديد وشكلت بيئة هادئة لإدارة غضبه، فاعتذر إليها ومنحها فرصة الكشف عما تراه فى الحياة لوضع الأمور فى مكانها المناسب، ليخل بفكره وقلمه ومجموعة من ورق الدشت يدون فيها ما يمليه عليه عقله، ليصل إلى حالة استثناية من البذل والعطاء ويجد نفسه ألف 10 كتب خلال النصف الثاني من عام 2020، واصفا تلك الحالة التى عاشها بقوله: “اكتشفت أني وقعت ضحية لنفسي لسنوات كنت معتقدا صواب ما أفعله تجاه كثير من الأمور، فاعتذرت إليها بتلك الكتب كعادتي في التعامل مع الأشياء”.
عبد السميع: المحنة تحولت إلى منحة وتواردت خلالها الأفكار والخواطر فكانت فترة استثنائية
صدرت مولفات “عبد السميع” الـ10 خلال 6 أشهر وتنوعت ما بين السيرة الذاتية والرواية والتحليل والأعمال الفكرية واتخذت طعم ومذاق أزمة كورونا والقضايا المصاحبة لها، والتي تفاقمت خلال العام الاستثنائي، وحملت العناوين التالية “رسالة النيل إلى السيسي”، و”الحج الاستثنائي”، و”سافر في زمن المنع”، و”صرخة 2020″، و”شفرة المؤامرة على مصر”، و”رحلتي مع النووي”، و”القاسمي.. سلطان مدينة الخبز الفكري”، و”استعادة الذات”، و”مقولات ابن عبد السميع”، و”اعتقال الموتى”، و”الحكايات العشر لعام 2020″، ونشرها عبر 3 دور للنشر، وشارك بها فى معرض القاهرة الدولى للكتاب فى دورته الـ52، ومعرض الشارقة، مضيفا، “أحسب أنى لم أكن موفقاً بإدارة شيء في حياتي مثلما حدث معي خلال هذا العام”.
استهل “عبد السميع” العزلة بقراءة موسوعة المؤرخ الدكتور جمال حمدان الذي استلهم من قصته وسار على دربه، موضحا أن حمدان عانى الحرب الخفية من أهل تخصصه، فرفض السير ضمن القطيع واختار العزة والإباء الذي أكسبه الرضا والسعادة، فقرر العكوف على إنجاز مهمته التاريخية ية “شخصية مصر” فكانت هذه العزلة هي قمة الاندماج في المجتمع والحياة والتاريخ والجغرافيا والماضي والحاضر والمستقبل، وصارت أرض الأحلام لمن يريد أن يعرف مصر التي باحت له ببعض أسرارها.
لم تكن تجربة “حمدان هي الباعث الوحيد للكتب التي صدرت في وقت قياسي لـ”عبد السميع”، حيث عايش تجربة العمل عن بعد في القاهرة وأبو ظبي ودبي فى ظروف بالغة الصعوبة، رأى خلالها الموت يزور كل الأماكن فتواردت الأفكار والخواطر، قائلا “الإنجاز بيدأ بخطوة يعقبها الرغبة في المزيد من السير.. فكانت محنة تحولت إلى منحة”، فكلما قطع شوطا تزايدت همته وإرادته في الوصول أكثر، موضحا: عندما منُعت الحركة وسيطر الخوف والحذر، دونت خواطري وانفعالاتي عبر الكتابة، بعدما كانت تخرج بصورة يومية خلال جلسات العمل والأصدقاء.
كواليس كتابة الإصدارات العشر بدأت بمقالات عبر صفحته الشخصة لاقت استحسان الكثير، فعرض علية البعض نشرها في مواقع، فكانت دافعا لكتابة المزيد، قائلاً “الخلوة المنزلية فرضت حالة من التأمل فيما مضى من العمر وما حدث فيه مع تلازم الشعور بأن الحياة أوشكت على الرحيل”، فكانت الكتابة تمثل له نوعا من الرغبة في الحياة ومقاومة اقتراب الرحيل أو فعل ما تأخر إنجازه، وتواكبت هذه المعطيات مع تصاعد وتيرة أحداث السد الاثيوبي، فكان أول إصدار “رسالة النيل إلى السيسي”، والذي قدم فيه رؤية جديدة لأزمة السد استنادا إلى الدراسات والأبحاث، والهدف الحقيقي من ورائه باغتيال مصر، فهو أحد أوراق المؤامرة الكبرى، مضيفا “مصر تزلزل الأرض إذا غضبت ويسكن الليل إذا هدأت، ومصر في التاريخ كنز مكنون وأنت لها يا نيل مرهون”، مؤكدا فيه أنها قادرة على إسقاط هذه المؤامرة.
“مسافر في زمن المنع” و”صرخة 2020″ توثيق لواقع فاق الخيال بمجئ كورونا
ويعد كتاب “الحج الاستثنائي” أول إصدار تناول موسم الحج لعام 2020 والحزن الناجم عن غياب فرصة الذهاب لأدائه بسبب كورونا، واقتصاره على القاطنين في المملكة، قائلا: “جلست أتابع أعظم رحلة في الحياة عبر شاشات التلفاز وقلبي معلق بكل نسكها”، ودون بكتاب “مسافر في زمن المنع” واقع يفوق الخيال ومحطات تحركه، واستدعاء إبداعات وسير حياة السابقين ومنهم الشعراوي ومصطفى محمود وجمال حمدان.
وكتاب “صرخة 2020” الذى يعد استكمالا للكتاب السابق ودون فيه صرخة العالم التي ترددت في أذنه وعقله وأعادت ترتيب موازين القوى بسبب الجائحة التي تحولت فيها التسلية إلى حياة، وانفجار بيروت، ونبوءات الانتخابات الأمريكية، والفرضيات الضائعة قائلا: “جاء العقاب والمنحة من جنس آمالنا وطموحاتنا بحياة استثنائية، فاتسم 2020 بالغرابة، والدهشة، ليحدث حالة من التيه فاقت الضال في الصحراء”.
كما رصد المكائد على الدولة المصرية فكان كتاب “شفرة المؤامرة على مصر”، والذى كشف فيه كيف أسقط الرئيس السيسي السياج العام للمؤامرة على مصر، بعدما ظن المتآمرون أن مشروعهم حقق النجاح خلال عامي 2011 و2012.
“رحلتي مع النووي” حكايات حدثت في القاهرة ودبي وأبوظبي وموسكو
“رحلتي مع النووي” إحدى إصدار عبد السميع التى تناولت الأحداث التي صاحبت الجائحة، الذي يرصد فيه عودته للقاهرة بعد غربة 15 عاما والمحن والابتلاءات التي مر بها وتحولت إلى منح “كل محنة خرجت منها بدروس أهلتني للقدرة على الإبصار، فشكراً لكل من منحني محنة فصارت منحة”، وتضمن الكتاب رحلة المؤلف خلال 13 عاما مع البرنامج النووي الإماراتي السلمي وإنشاء مفاعل براكة للطاقة النووية السلمية الأول من نوعه عربيا، واستعراض الطريق النووي بين مصر وروسيا، وكتاب “القاسمي.. سلطان مدينة الخبز الفكري” الذى وصفه بأنه عاشق مصر ووالتاريخ والبشر، موضحا “أبكاني وأبكى كل عربي، وقتما تحدث عن مصر وجيشها، وهو يقدم لها دعما ماليا، ويعلن فرحته بهذا العطاء”.
شفرة المؤامرة: توثيق لمسار صناعة الفوضي عبر المنظمات المجتمعية
أما رواية استعادة الذات فتحكي تجربة الاغتراب وتقلبات الحياة وصدماتها، وسجل فيه قصة جمال حمدان وصلابتة في التعامل مع مظاهر الخلل في المجتمع وتغير المفاهيم ونمط الحياة، وكتاب “مقولات” الذى قدم فيه خلاصة تجاربه، و”اعتقال الموتى” الذي شمل 15 قصة متنوعة، وكشف فىيكتاب “الحكايات العشر لعام 2020” عن اللحظات التي أدت إلى إصدار كل كتاب خلال العام الجاري.
يذكر أن الكاتب الصحفي بسام عبد السميع عمل رئيس تحرير للعديد من الصحف خلال الفترة من 1998 وحتى عام 2005 ومنها: “المصير” و”حديث الأمة”، كما حاز على جائزة الإبداع الصحفي في دبي عام 2006، وجائزة الصحافة العربية عام 2017، كما وقع خلال معرض الشارقة الدولي للكتاب نوفمبر 2020 ثلاثة كتب من إصداراته.