هذه التطورات سلطت كل الأضواء على الوجود السوري، وشهدت البلاد تفاعلاً شعبياً وسياسياً وحكومياً بوجه النزوح الآخذة مخاطره في التفاقم أمنياً واقتصادياً وديموغرافياً، فتصدّر الملف كل النقاشات واللقاءات الداخلية والخارجية، بعدما كان لبنان الرسمي يكتفي بالمشاركة في المنتديات الدولية حول أزمة النزوح ويجري لقاءات واتصالات تنتهي بإثارة القضية والتوافق على الاستمرار في التنسيق والمتابعة لعودة السوريين إلى بلادهم وما إلى هنالك من أزمات نتجت عن الأزمة، كأمن الحدود اللبنانية ـ السورية السائبة والمفتوحة على فوضى أمنية وسلاح متفلّت.
حراك دولي لدعم لبنان
التفاعل الحاصل حالياً بين اللبنانيين على خلفية أزمة النزوح، نشّط حركة الموفدين الغربيين إلى بيروت، كما نشّط وتيرة الاجتماعات واللقاءات والاتصالات في الداخل والخارج؛ التي قام بها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، في الأيام الماضية، للبحث في الأزمة والحلول التي يمكن البناء عليها. فهل يمكن للبنان أن يعوّل على بعض التجاوب الداخلي، وبعض التجاوب الذي بدأ يلمسه من الموفدين الدوليين؟
في هذا الإطار، يتحرك الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليديس في زيارة هي الثانية له إلى لبنان في غضون شهرين، إذ يصل بيروت مطلع مايو، ترافقه رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، للإعلان عن حزمة مالية من الاتحاد الأوروبي لمساعدة لبنان في موضوع اللجوء السوري، وبهدف منع اللاجئين من الوصول بحراً إلى قبرص، في إطار التحضير للمؤتمر الذي سيعقد في بروكسل أواخر الشهر نفسه.
هذه الخطوة ترى فيها مصادر سياسية لـ«»، استمراراً للنهج الأوروبي وهو دعم بقاء النازحين في أماكن النزوح، وهو ما أكدته جولة مفوض الاتحاد الأوروبي لشؤون التوسع والجوار أوليفر فارهيلي على القيادات اللبنانية في الأيام القليلة الماضية، إذ طلب الرئيس ميقاتي من الاتحاد الأوروبي تغيير سياسته لتمويل العودة، فيما كان تركيز المسؤول الأوروبي على منع هجرة السوريين من لبنان باتجاه أوروبا.
وقالت المصادر: لطالما كانت الملفات في لبنان تفتح حسب الطلب ومن منطلقات شعبوية لتحقيق غايات ومكاسب سياسية. ووفقاً لمعلوماتنا لا يوجد قرار دولي يدعم أو يسعى لإعادة النازحين السوريين لبلدهم. ولطالما جرى الحديث في الأروقة الضيقة عن وجود مؤامرة لإبقائهم في لبنان لدمجهم في المجتمع اللبناني وربما لزجهم في معارك طائفية أو أمنية.
اتفاق سوري لبناني
فهل تأخر لبنان في ضبط هذا الملف.. وربما يتجه إلى إعلان حال الطوارئ تجاه السوريين في ظل الاستنفار الذي يعيشه إذا ما اصطدم برفض المجتمع الدولي دعم عودتهم؟
الواضح أن المواقف الأوروبية من ملف النازحين السوريين لم تتغير، والأصوات المعترضة على عودتهم لا تزال قائمة كإيطاليا ودول شرق أوروبا. ولهذه الغاية زارت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني بيروت نهاية مارس الماضي، وأكدت ضرورة الحد من هذه الظاهرة، واستكشاف حلول تساعد على التوصل إلى حل مستدام لقضية النازحين كإعادتهم إلى مناطق آمنة أو إنشاء مناطق عازلة داخل سورية يعودون إليها، إلا أن هذا الأمر ترفضه فرنسا وألمانيا، اللتان لا تزالان تعارضان عودة النازحين إلى سورية، كذلك الأمر بالنسبة للولايات المتحدة باعتبار أن المساعدات التي تصل إلى أيدي السوريين ستساهم في تخفيف أثر العقوبات على سورية وتعيد تعويم النظام.
لبنان ماضٍ في حل الأزمة، فتحولت مؤسساته الحكومية والأمنية والمعنية إلى خلية نحل تعمل وتبحث عن معالجات للأزمة، وخلصت إحداها إلى اتفاق بين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ونظيره السوري حسين عرنوس على أن يتولّى الأمن العام اللبناني التنسيق مع الحكومة السورية لبحث مضامين تطورات ملفي النزوح والمسجونين السوريين.
وتشير إحصاءات مديرية السجون في وزارة العدل اللبنانية، إلى أن عدد النزلاء السوريين الموجودين في السجون حتى 31 ديسمبر 2023، بلغ 1769 سجيناً من أصل 6153؛ أي ما نسبته 28.75% من مجموع النزلاء. أما عدد الموقوفين السوريين في النظارات فقد بلغ 107 من أصل 354؛ أي ما نسبته 30.22%.
فيما أفاد وزير العدل اللبناني هنري الخوري أن عدد الموقوفين السوريين في لبنان؛ وفق إحصاءات وزارة الداخلية، يبلغ نحو 2500 شخص، موضحاً أنه إذا وافقت السلطات السورية على تسلم المحكومين من مواطنيها فلا مانع من أن يستكملوا محكومياتهم في سجونها.