بدأ طلاب جامعة العلوم في باريس نصب خيامهم تضامناً مع فلسطين وتمتد الحملة إلى جامعات كندا وسيدني بأستراليا وألمانيا وبريطانيا.
حمّى الجامعات الأميركية التي افتتحت نضال الطلاب من أجل العدالة تنتشر في كبرى المدن وكبرى الجامعات لتشكل ما يشبه التحول الهائل على مستوى الرأي العام في عواصم احتكرت القرار الدولي، وتلك أزمة إسرائيل الجديدة.
من شاهد خطاب بنيامين نتنياهو أول من أمس يدرك حجم الأزمة والقلق الذي تشكله الجامعات الأميركية فيصف ما يحدث من نضال عادل ينسجم مع القيم الإنسانية بأنه «أمر مروّع» ويصف الطلاب بأنهم «مجموعة من الغوغاء اللاساميين» وأنهم يدعون إلى تدمير اسرائيل مستعيداً الفزاعة الألمانية في ثلاثينيات قرنها وهي الرصيد الذي تسحب منه إسرائيل بعد ثمانية عقود دون أن تدرك أن هذا الرصيد استهلكته وأن الحرب على قطاع غزة كانت حملة إشهار لهذا الإفلاس على الملأ.
ولسوء حظ بنيامين نتنياهو عندما تم استدعاء الحرس الوطني لملاحقة الاحتجاجات كان من بين المعتقلين المائة ثلاثون يهودياً من المعتصمين ما ينسف تماماً الدعاية الإسرائيلية باللاسامية التي بدت هشة في مواجهة تيار عارم يدافع عن القيم الإنسانية التي بات يرى في إسرائيل مهدداً لها بل بات يجدها جزءا من التدخل في الولايات المتحدة لصالح النيل من القيم الديمقراطية الأميركية الداخلية وتخريب نظام الحكم.
يوم الثلاثاء كان ثماني عشرة جامعة في الولايات المتحدة تنصب خيامها لتنضم لها سبع جامعات يوم الخميس ليصبح العدد 25 جامعة ثم يصل الرقم لأربعين جامعة كلها التحقت بالمخيم الذي أقامته جامعة كولومبيا العريقة صاحبة التاريخ الطويل في صناعة الرأي العام، ففي حرمها بدأ الإضراب عن الطعام العام 63 للمطالبة بانسحاب أميركا من فيتنام وقد انتصرت الجامعة، وفي ثمانينيات القرن الماضي كان حرم جامعة كولومبيا ينتفض ضد نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا إلى أن تشكل الرأي العام ويتحول إلى آلة عملاقة فككت هذا النظام وللأبد.
هنا مصدر الذعر الإسرائيلي فالجامعة التي رفعت لواء الحرب على الحرب لأكثر من سبب أولها تاريخ الجامعة في التأثير وثاني الأسباب أن هناك منظمتين إسرائيليتين تشاركان في الاعتصام تنزعان أي تهمة بمعاداة السامية هما: «أصوات من أجل السلام» و»إذا لم يكن الآن» وهما جزء من تيار طلاب «من أجل العدالة في فلسطين» وهو يمتد في مائتي جامعة في الولايات المتحدة، وثالث هذه الأسباب أن جامعة كولومبيا ومعها جامعة هارفارد تضمان طلاباً من نخبة النخبة في المجتمع الأميركي من أبناء الأثرياء والسياسيين وأبناء أعضاء الكونجرس وقد لعبت هاتان الجامعتان دوراً مهماً في تشكيل الطبقة السياسية الأميركية ولا تزالان.
قبل الحرب على غزة كان هناك تنامٍ لدى الجيل الشاب الذي يمثل عموده الفقري طلاب الجامعات في أميركا لصالح تأييد الحقوق الفلسطينية فقد نشر استطلاع الصيف الماضي كان يشير لأول مرة إلى تغلب تأييد فلسطين على إسرائيل وهو ما أضاء الأضواء الحمر في تل أبيب ثم جاءت هذه الحرب لتحسم الأمر بشكل ساطع، من حق اسرائيل أن تصاب بالذعر فتلك ساحة أميركا الراعي والحامي والممول وتدرك أن الأمر يحتاج سنوات حتى يكون هؤلاء هم صناع القرار في واشنطن وهذا ما أشارت له الأوساط الإسرائيلية كتهديد استراتيجي فمن يتصور إسرائيل بلا واشنطن؟
كانت إسرائيل تنزاح نحو قيم يمينية توراتية على النقيض التام لليبرالية الأميركية، كانت تخلي مكانها من ثقافات العالم الحر وهو ما أشار له الرئيس الأميركي جو بايدن عندما حذر من تلاشي القواسم المشتركة مع الثقافة الأميركية، فقد كان يعني ما يقول لكن إسرائيل التي تسير باتجاه واحد نحو العودة للأصول بمسار ثابت لا يمكن وقفه من الطبيعي أن تكون خارج السياق الكوني فلا متسع للدين في الثقافة الأميركية إلا لمجموعة صغيرة من الأنجليكانيين المؤثرين في السياسة ولكنهم ليسوا مؤثرين في الرأي العام المدافع عن قيمه.
الكونجرس الموالي لإسرائيل يضغط على الأجهزة الأمنية الأميركية وعلى رؤساء الجامعات متسبباً باستدعاء الحرس الوطني لقمع الحريات وتلك تعني أن إسرائيل تعبث في الداخل الأميركي لصالح تقييد الحريات والتعبير عن الرأي وهي مسألة لن يتسامح معها الطلاب بل تشكل خطوطاً حمراء في الثقافة الأميركية.
صحيح أن أعضاء الكونجرس ولعبة المصالح تجد نفسها تصطف مع إسرائيل لكن الانزياحات في الداخل الأميركي على النقيض من ذلك وسيزداد الشرخ أكثر كلما انزاحت إسرائيل نحو اليمين، نحو القيم القديمة، فقد تحولت إسرائيل إلى عامل مهدد لوحدة المجتمع.
يطالب طلاب جامعة كولومبيا ومعها بقية الجامعات بسحب الاستثمارات الجامعية من إسرائيل أي أن الأمر ليس موقفاً تضامنياً فقط بل يطالب باتخاذ إجراء فوري يتعلق بالمقاطعة والتي أثارت الذعر سابقاً لدى اسرائيل، وهناك مفاوضات تجري فلا يمكن للولايات المتحدة مهما اشتد ضغط الكونجرس أن تجد نفسها ترسل الحرس الوطني وليس الشرطة ضد طلابها كرمى لإسرائيل ولإبادة تحدث في غزة فتلك تشكل مساساً بالتماسك الأميركي، هذا ما يدركه قادة القرار في واشنطن وتدركه إسرائيل … العجلة تحركت وكرة الثلج تتدحرج بتسارع شديد وهي ما استدعت من رأس الحكومة أن يترك الأسرى والحرب ويذهب لملاحقة وشتم طلاب في مكان آخر في العالم ليس فقط سوى أنه يدرك جسامة الخسارة، فكولومبيا ليست أي جامعة ونيويورك ليست أي مدينة وواشنطن ليست أي عاصمة والمزاج الأميركي ليس أي رأي عام.
ما رأيك؟
رائع0
لم يعجبني0
اعجبني0
غير راضي0
غير جيد0
لم افهم0
لا اهتم0