بيتزا و«كعب عالي» يسقطان «فؤاد»!

قبل نحو 16 عاما، راح محاسب شركة ساعات شهيرة في جدة ضحية جريمة قتل مروعة وقعت في ظروف غامضة ومريبة. ولأن أي جريمة لا تقيّد ضد مجهول ولا تسقط بالتقادم جريمة، نفذ الأسبوع الماضي القصاص في القاتل بإقامة حد الحرابة عليه؛ نظير جريمته النكراء وفعله الوحشي الآثم، إذ خطط للجريمة بمعاونة آخرين منهم زميل القتيل ورفيقه في العمل. وأعلنت وزارة الداخلية الأسبوع الماضي تنفيذ حُكم القتل حداً في الجاني لإقدامه على قتل موظف بإحدى الشركات في محافظة جدة بمنطقة مكة المكرمة. وطبقاً للبيان؛ فإن الجاني فؤاد نوح محمد بن عبدالله أقدم على السطو المسلح على الشركة وقَتل محاسبها الهندي أمير علي وسلب ما بحوزته من مال وأخفى جثته. وأصدرت المحكمة حكمها بثبوت إدانته بما نُسب إليه والحكم بإقامة حد الحرابة عليه، وأن يكون ذلك بقتله، وأُيد الحُكم من محكمة الاستئناف والمحكمة العليا، وصدر أمر بإنفاذ ما تقرر شرعا وأيد من مرجعه، حيث تم تنفيذ حُكم القتل حداً بالجاني في جدة. تستعيد «» وقائع جريمة فؤاد نوح ورفاقه، إذ تورط زميل القتيل في الشركة نفسها في تسريب معلومات مهمة إلى الجاني عن تسلم المحاسب الهندي مبلغ مليون ريال، وسريعاً خطط الجاني لجريمته مستعيناً بالمعلومات المهمة والصيد الثمين الذي حصل عليه، ولم يبخل زميل القتيل في تقديم معلومات عن موقع سكن الضحية، وغرفته التي سيحتفظ فيها بالمبلغ المليوني وموعد وصوله، واستعان فؤاد نوح (زعيم الشبكة) باثنين من الشبان يعملان في أحد فنادق حي الشرفية في جدة لمشاركته الهجوم والسطو. وفي ساعة الصفر تحرك الجاني ومعه شريكاه إلى مسرح الجريمة مستقلين سيارة «كابريس» بلوحات مسروقة، واقتحموا غرفة الضحية وضربوه حتى الموت ونقلوا جثته مقيدة اليدين إلى خزان ماء مبنى مهجور في حي البغدادية (غربي جدة) وألقوا بها ثم تواروا عن الأنظار بعد أن تركوا السيارة في الموقع.

ما سر الكعب العالي ؟

كأن شيئا لم يحدث، مارس الجناة الـ4 حياتهم الاعتيادية.. باشر المحصل المالي للشركة (زميل القتيل) مهام وظيفته كالمعتاد دون أن يرمش له جفن، فيما عاد الشابان إلى وظيفتهما في الفندق، لكن رجال الأمن الذين كانوا تلقوا بلاغا بالواقعة، ظلوا في عمل ميداني متواصل في جمع المعلومات والتحري والتدقيق في كافة الظروف المحيطة بالجريمة، وتحروا عن الطريقة التي قادت العصابة إلى معرفة سر المبلغ المليوني ووصوله إلى علم الجناة، وكانت الإجابة على السؤال الخيط الذي كشف تفاصيل الجريمة وسقوط القتلة، إذ نجح رجال الأمن في التوصل إلى زميل المحاسب الذي أدلى بمعلومات مهمة عن الجريمة ومرتكبيها، رغم أنه لم يكن طرفا أساسيا في عملية القتل واكتفى بالتخطيط، وتوالت عمليات ضبط الشركاء ودلّ المحصل على شركائه بمن فيهم فؤاد، الذي توهم أنه بمنأى عن الضبط وظل يتنقل متخفيا في عباءة نسائية وحذاء نسائي بكعب عالٍ بعدما شعر أن العيون تلاحقه في كل مكان، وبإحساسه بأنه تحت الملاحقة والرصد تسلّح بـ«مسدس ربع» مزود بـ8 طلقات أخفاه ملفوفاً في وسطه محتفظا بسلاح «أبو محالة» ورشاش وطلقات متفجرة في منزله بغرض المقاومة حال القبض عليه.

تركوه يكمل وجبته !

محاولات التخفي والاختباء والتواري عن الأنظار بالكعب العالي والعباءة النسائية سقطت سريعا أمام إغراء وجبة بيتزا في أحد مطاعم جدة، وأطاح رجال الأمن بالقاتل بعد عمليات تحرٍّ وملاحقة طويلة؛ إذ كشفت المتابعات أن فؤاد نوح يتنقل منذ فترة بسيطة في عدة مواقع ومنازل، ووصلت معلومة عاجلة عن وجوده في مطعم للبيتزا الإيطالية في شارع صاري (شمالي جدة) وبرفقته أحد شركائه في الجريمة، انتظر رجال الأمن القاتل حتى يكمل وجبته متنكراً في ثوب نسائي، وعند خروجه من المطعم وجد نفسه مطوقاً برجال الأمن، وحاول بلا طائل المقاومة مستخدماً سلاحه الناري غير أن رجال الأمن شلوا حركته واقتادوه إلى التحقيق.

حرابة وإفساد في الأرض

المستشار القانوني المحامي ماجد الأحمري، أوضح أن الله عز وجل شرّع العقوبات لزجر الناس عن الجرائم، وأمر بتطبيق الحدود الشرعية لصلاح العباد والبلاد، فكان تطبيق الحدود الشرعية من القُربات التي يتقرب بها ولاة الأمر إلى ربهم، والحدود من أهم الأمور التي تحفظ الأمن، وتحقن الدماء، وتنظّم حياة الناس ومعاشهم، وبتطبيقها يرتفع لواء العدل، ويخفت صوت الظلم والجور، وتزدهر الحياة، ويرتقي الاقتصاد، وتتطور مجالات الحياة كلها.

ويشرح الأحمري أن الحدود المقررة في الشريعة الإسلامية، 7 حدود؛ السرقة، الزنا، القذف، شرب المسكر، البغي، الردة، والحرابة.. فالعقوبة المقررة في تلك الجرائم هي حقٌ لله تبارك وتعالى، استوجبتها المصلحة العامة، لا تقبل الإسقاط لا من الفرد المجنى عليه، ولا من الجماعة.

وأضاف أن الجريمة التي أقدم عليها القاتل تعد ضرباً من ضروب الحرابة والإفساد في الأرض، توعد الله عز وجل مقترفيها بأشد العقوبات.