ازدادت في الآونة الأخيرة حركة تذمر شعبية، حول حركة السفر عبر معبر رفح، وما يواجهه الفلسطيني – الفلسطينية من صعوبات، الصمت عليها يصبح غير مقبول، ممارسات تكسر كل ثوابت التعامل الإنساني، ولا تتعلق بأي بعد أمني، بل تبرز شكلا من أشكال “التحكم السلطوي”، وتلك المسألة من طرفي معادلة المعبر.
منذ أن أعلنت مصر عودتها الى قطاع غزة، وكسرت كل “محرمات الحذر” مع حكم حماس القائم في قطاع غزة، من خلال عملية ترميم وبناء ما قام به العدو بعد حرب مايو 2021، عاد الأمل الكبير للغزيين من السلك الى السلك، ومن المعبر الى المعبر فوق أرض مساحتها 365 كم مربع تحتضن ما يقارب الـ 2 مليون وربع إنسان، كونها المرة الأولى منذ الانقلاب الأنكد وطنيا منذ قيام السلطة (الحلم الكياني الأول للشعب فوق أرضه).
عودة مصر عبر معبر رفح، بقوتها الاقتصادية بملامحه السياسية، شكل نقلة نوعية، وربما استراتيجية، في تنظيم العلاقة بينها وقطاع غزة، بعيدا عن “حساسية” انتماء حماس وعلاقتها “الفكرية” بالجماعة الإخوانية، وكسرت حصرها في علاقة لقاءات فصائلية غالبها ممل، وبلا جدوى في الواقع، او بعد أمني في علاقة بن حماس والعدو، فكانت خطواتها التعميرية وقافلات “مصر الخير”، هي الفعل المباشر لأهل القطاع أن مصر عمقهم تعود اليهم بلا أي “حواجز”، وأنهم ليسوا وحدهم، وستبدأ حركة كسر الحصار والقتل الإنساني البطيء بدأت بقرار من الرئيس السيسي.
ولكن، ورغم حالة الفرح الكبير، بقرار مصر الاستراتيجي، حول العودة لاحتضان قطاع غزة، كما كانت دوما، حدث ما يمكن اعتباره “منغصات إنسانية”، من الصعب ان تستمر، ومن الصعب أكثر أن يتم تقبلها، بعيدا عن كل ما يمكن أن يساق “تبريرا”، خاصة بعد معرفة تفاصيل ما يواجهه الغزي عبر رحلة لولا الضرورة لفضل غالبيتهم البقاء محاصرا عن مواجهة مثل تلك الممارسات الغريبة، والتي بعضها تبدو بمظهر انتقامي.
“ثغرة الدولار” والدفع المسبق للسفر المريح جدا، بوسائل نقل مكيفة وسريعة ومدة زمنية من معبر رفح الى قلب القاهرة لا تتجاوز الساعات الخمس، وهي المسافة العادية التي كانت ما قبل 2007، فكل من يستطيع دفع “1000” دولار يمكنه ان يكسر كل “المطبات”، والتجاوزات وما يلحق المواطن الذي يبحث أشهرا عن توفير مبلغ للأكل وليس للترف، كشفت أن الإجراءات التي تتم ليست “أمن قومي”.
ولأن القضية حساسة بكل أبعادها، لا يجب أن تتحول الى ظاهرة إعلامية، ويمكن أن يتم بحثها من خلال تشكيل لجنة مشتركة خاصة، لبحث كل الشكاوي التي بدأت تتسرب الى العلن ما يسيء حقا، لجنة تبحث في كل “الخيارات” التي تحفظ أمن مصر، وتحفظ به كرامة الفلسطيني، والتي هي بشكل ما جزء من “أمن مصر القومي”، فانكسار الروح الفلسطينية ضرر قومي كبير.
بالتأكيد، هناك من الوسائل والسبل المتعددة التي يمكن الاتفاق عليها ضمن معادلة “حماية أمن مصر وحماية كرامة الفلسطيني”، ولتكن بداية التفكير في وسائل نقل متفق عليها، كما هي طريقة “الدفع بالدولار”، ولكن للغالبية من الذين لا يملكون ذلك، وسائل نقل تنطلق في ساعات محددة وتواصل طريقها الى القاهرة دون أن تخضع لكل عمليات “الفحص” والمنام على جانبي القناة…رحلة لن تستغرق من 6 – 8 ساعات، يمكنها أن تكون جسر عبور لتصليب علاقة الفلسطيني بحب مصر، وهي أيضا أكثر أمنا لمصر، بكل المظاهر.
التفكير الإنساني ليس مغلق أبدا، ومصر التي تعيد بناء عمقها القومي وفق قواعد جديدة، عليها ألا تهمل “منغصات” تبرز في طريقها نحو قطاع غزة…من أجل مصر والارتباط الوطني والعاطفي للفلسطيني بها، وجب تصويب كل ما له علاقة بمعبر رفح…وعندها سيقول الفلسطيني “تحيا مصر …وتسلم الأيادي” بحب وقناعة، كما كانت في زمن الخالد ناصر!