طريق ترابي يحاوطه جدران من الطوب الأحمر من الجانبين، وعلى كل جدار محفور اسم صاحبه في منطقة المقابر بالسيدة عائشة، وسط هذا الصمت الرهيب تعيش «أم ناصر» بعدما وجدت الأمان بجانب الأموات الذين كانوا أحن عليها من الدنيا، فابنها تخلى عنها وزوجها فارق الحياة واللصوص سرقوا أموالها التي كانت تتعكز عليها، ولا تتمنى شيئا سوى أن يودها ابنها.
جلباب أسود مهترئ ووجه تركت عليه الدنيا بصمة قاسية، تراها محفورة في تجاعيد السيدة «أم ناصر» أحد سكان المقابر بالسيدة عائشة، تحكي السيدة العجوز ودموعها تسيل على خدها أنَّها عاشت مع زوجها وبنتها وابنها في المقابر نظرًا لضيق الحال، وبيتها عبارة عن طوب حجري أحمر تغطيه رتوش من الأسمنت، وعليه من الخارج ستارة تكاد تظهر محتويات الغرفة الضيقة أكثر ممما تخفي، وداخل البيت البسيط سرير و«كنبة» هما كل ما تمتلكه السيدة المكافحة في حياتها: «عايشة لوحدي هنا على طول، أنا يتيمة مليش حد بعد ربنا، وجوزي مات وسابلي شوية فلوس اتسند عليهم اتسرقوا، ولقيت الكيس بتاعهم فاضي على الأرض، وابني اتجوز وسابني ومن ساعتها مبيسألش فيا».
في الصباح الباكر تستقيظ «أم ناصر» وتغسل وجهها وتشرب كوبا من الشاي، وتبدأ في كنس المكان وجمع القمامة وعندما يأتي شخص لزيارة أقاربه الراحلين تعطي له «كرسي» أو «جردل مياه» لسقي الزرع ورى التربة: «بيراضيني وبيديني اللي فيه النصيب، ممكن حد يديني سندويتش ولا 5 ولا 10 جنيه أقول الحمدلله رضا وستر من ربنا، وابني من ساعة ما اتجوز مجاش ونفسي يزورني ولو لمرة واحدة أشوفه».
أحلام مفزعة ترواد العجوز في بعض الأحيان بسبب نومها بين الأموات في المقابر، تحكي أنَّها كنت نائمة في إحدى المرات وخيل إليها أنَّها رأت صورة فتاة، ولكنها لا تمتلك أي مكان آخر للعيش فيه، فلا يوجد نقود أو حتى ملابس أو طعام يكفيها.