يديعوت أحرونوت – بقلم: سيفر بلوتسكر
في سوق البضائع القديمة بتل أبيب بيعت ظهر الجمعة مغلفات من افتتاح فرع البريد الإسرائيلي في رفح. التاريخ: 21 كانون الثاني 1957. منذئذ، وحتى قبل ذلك، دخلت إسرائيل عسكرياً إلى قطاع غزة وخرجت منه على نحو متواتر كل عقد تقريباً. والاستنتاج: لم يكن، لا يوجد، ولن يكون “حل” من إنتاج إسرائيلي لقطاع غزة. كما لن يكون ممكناً إقامة حكم إسرائيلي عسكري أو مدني. هذه أضغاث أحلام. يجب أن تتقلص أهداف القتال إلى هدفين، واقعيين: تحرير المخطوفين، وضمان حياة سكينة وهدوء طويلة لبلدات النقب الغربي.
القيادة السياسية لإسرائيل على وعي بوضعنا الحقيقي: الحرب في غزة قريبة من استنفاد ذاتها، هذا دون صلة بقرار فضائحي من الادعاء العام في “لاهاي”. فقد أعلن الوزير غانتس، عن إنذار ثلاثة أسابيع لبقائه في الحكومة، وهي فترة صحيحة لإنهاء النشاط العسكري في القطاع والخروج منه. الخروج تماماً. مرة أخرى؟ نعم، مرة أخرى. ربما لا تكون هذه المرة الأخيرة. ورجاء لا تفكروا، لشدة الغرور إننا فائقو القدرة. لسنا قوة عظمى. ليس بوسعنا أن نقرر لمن ننقل السيطرة في غزة. هذا قرار الغزيين، قرار العالم العربي، وقرار كل الدول المستعدة للاستثمار في إعادة إعمار القطاع.
بالنسبة لإسرائيل، أصبحت الحرب في غزة ما يسميه الاقتصاديون “عبئاً زائداً”، أمراً تفوق كلفته منفعته. إذ ما الذي يمكن تحقيقه عسكرياً ولم نحققه؟ لقد أثبتت إسرائيل إنها قادرة على تسوية قطاع غزة مع الأرض، وأن تجبي من حماس ومؤيديها ثمناً دموياً باهظاً. هذا الدرس سيكوي الوعي الغزي الجماعي والشخصي لسنوات إلى الأمام، وسيشكل إشارة تحذير وردع. لقد أعدت حماس نفسها للمواجهة ضدنا على مدى فترة طويلة، في ظروف فائقة. وها هي إسرائيل، في غضون أكثر بقليل من 200 يوم، صفت 90 في المئة من قدراتها العسكرية – الهجومية، وخفضت إلى الصفر فرصها لإعادة التسلح وإعادة التنظيم لمواجهة أخرى، على الأقل حتى 2035. هذا انتصار مبهر. أما التطلع إلى النصر المطلق، هنا والآن، فيعرضه للخطر.
أسمح لنفسي بطرح فكرة الخروج من غزة، سواء لأن محافل أمنية رفيعة المستوى تنشرها مؤخراً أم لأني كنت بين القلائل الذين اختلفوا علناً، في مقالات التحليل، مع المفهوم الذي ساد في المؤسسة الأمنية – السياسية حول حماس، وبموجبه يمكن ترويضها واقتلاع عنوانيتها من خلال تحسين مستوى معيشة الغزيين. فمنظمات إرهابية متطرفة من نوع حماس، كما كتبت أقول، معنية بإبقاء الجمهور الذي تعمل في داخله في حالة فقر وعلى حافة الفقر. مثلما كان صعباً أكثر على المواطنين العيش هكذا، يكون أسهل عليهم التحكم بهم.
كيف سترد حماس على قرار إسرائيلي لإنهاء جولة الحرب والخروج من غزة – باحتفالات نصر على خرائب القطاع وفي مقابره الآنية؟ أشك. الخروج من غزة سيبقي حرية العمل الأمنية الكاملة في أيدي إسرائيل، بما في ذلك عمليات الرد. معقول أكثر أنه مع أخذ المزاج العام لدى أوساط 2.2 مليون غزي بالاعتبار، ستسارع حماس إلى اقتراح صفقة سريعة، “كل المخطوفين مقابل آلاف السجناء” لتكون شرطاً لبدء الإعمار الدولي. بالتوازي، سيشطب عن جدول الأعمال الخيار السخيف لوقف القتال والانسحاب الكامل مقابل تحرير مجموعة مخطوفين صغيرة.
هل يعني هذا أننا سنعيش مع جار مجنون إلى الأبد؟ ليس بالضرورة. منظمات إرهاب كثيرة بدت ظاهراً غير قابلة للكسر، لكنها كسرت بالتدريج. وعلى أي حال، فإن الوضع النفسي لمسؤولي حماس لا ينبغي أن يشغل بالنا أكثر مما ينبغي. علينا، نحن الإسرائيليين، أن نحرص على ألا يملكوا الوسائل والقدرات لتحقيق جنونهم مثلما حققوه في 7 أكتوبر.