واشنطن بوست: إدارة بايدن التزمت الصمت حيال قرار “العدل الدولية” وسط تزايد شجب “إسرائيل”

نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريراً أعدته كارين دي يونغ قالت فيه إن الولايات المتحدة التزمت الصمت حيال قرار “محكمة العدل الدولية” بلاهاي، في وقت زاد فيه الشجب الدولي لهجوم إسرائيل على رفح.

 وأضافت أن الولايات المتحدة، التي تُفاخر بأنها زعيمة في حقوق الإنسان واحترام القانون الدولي، التزمت، يوم الجمعة، بصمت واضح عندما أمرت “محكمة العدل الدولية” إسرائيل بوقف هجومها على رفح، وأنها ملزمة بعمل هذا “فوراً”، بناءً على ميثاق الإبادة.

وقالت إن غياب البيان من إدارة بايدن يتناقض بشكل واضح مع موقفها من قرار “المحكمة”، في آذار/مارس، والذي دعا روسيا لتعليق عملياتها العسكرية فوراً في أوكرانيا، حيث قالت الإدارة إن المحكمة تلعب دوراً حيوياً في التسوية السياسية، وبموجب ميثاق الأمم المتحدة.

 ورحبت وزارة الخارجية، وبشدة، بالقرار، ودعت روسيا للالتزام. ورفضت الإدارة المقارنة بين الحربين، حيث قالت إن غزة بدأت بهجوم قامت به مجموعة إرهابية ضد إسرائيل، أما أوكرانيا فهي حرب شنتها دولة عضو في الأمم المتحدة ضد بلد آخر، وبدون مبرر لها.

وصدرت أوامر من مجلس الأمن القومي للمتحدثين باسمه بالرد على أيّ سؤال يتعلق بهذا بجملة واحدة: “كنّا واضحين وثابتين في موقفنا من رفح”.

إلا أن الموقف الأمريكي بشأن غزو إسرائيل لرفح، وأنه توغل “محدود” لاستئصال ما تبقى من مقاتلي “حماس”، وفي الوقت نفسه تجنب الإضرار بالمدنيين، وتحرير حوالي 100 أسير حي أو ميت لدى “حماس”، يتناقض مع نتيجة “محكمة العدل الدولية”، بأن رفح “هي وضع مختلف”، ومنذ آخر تحذير لإسرائيل، بداية العام الحالي، وأن أفعالها في غزة قد تقود للإبادة الجماعية.

 وليس لدى المحكمة، التابعة للأمم المتحدة، آلية لفرض أوامرها، ذلك أن قرارتها بحاجة للتصويت عليها في مجلس الأمن الدولي، حيث تملك الولايات المتحدة حق استخدام الفيتو.

 ووصف بعضُ خبراء القانون أمرَ المحكمة بأنه ليس ملزماً بدرجة عالية، لأن الأمر بحسب قواعد المحكمة لا يزال “مبدئياً” حتى يتم الاستماع لمرافعة جنوب أفريقيا أمامها، والذي قد يستغرق حوالي عام. وحتى بدون أي أثر فعلي، فإن القرار الأخير يقدم دليلا آخر عن عزلة إسرائيل، وبالضرورة الولايات المتحدة، التي تعتبر أهم داعم عسكري ودبلوماسي لإسرائيل.

ويقول هارولد هارولد هونغجي كو، أستاذ القانون بجامعة ييل، والمسؤول السابق في وزارة الخارجية: “يجب علينا الاعتراف بأن هذا يتحول نحو الاتجاه السلبي، وأن الولايات المتحدة باتت معزولة لأن الناس باتوا يقاربون دعمها وحضها على عمل غير قانوني”.

وأضاف: “تذكر أن 13 دولة هي غالبية” في قرار “محكمة العدل الدولية”، التي تضم 15 قاضياً، بمن فيهم غالبية دول الاتحاد الأوروبي والشرق الأوسط وأفريقيا. ولا يمكن للبيت الأبيض تجاهل الرسالة السياسية التي يرسلها هذا القرار.

ويهدد هذا بوضع أمريكا على الجانب الخطأ في القانون الدولي، كما يقول كو.

وكان الصوتان النشاز هما جوليا سيبوتندي، القاضية اليوغندية، وأهارون باراك، الرئيس السابق للمحكمة العليا في إسرائيل.

 وقال باراك، وبحسب ملخص للمحكمة، إن الأمر “مؤهل”، ولكنه لا يمنع إسرائيل من مواصلة هجومها لغياب “دليل النية” من بين عدة أشياء لارتكاب إبادة. ولاحظ أن قضاة المحكمة اعترفوا أن “حماس” هي من بادر بهجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر. وعلى “هذه الخلفية” لا يمكن للمحكمة أن تأمر طرفاً بالتوقّف، في وقت تعطي الحرية للطرف الآخر المواصلة. إلا أن معظم العالم لا ينظر للأمر بهذه الصورة، وحتى قبل أمر “محكمة العدل الدولية”، حث الاتحاد الأوروبي إسرائيل لوقف هجومها على رفح، حيث حذّرَ مسؤول السياسات الخارجية للكتلة، في 15 أيار/مايو، أن مهاجمة رفح “ستضع ضغوطاً كبيرة على العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل”. وجاء القرار، نهاية الأسبوع، في وقت وصل فيه النقد لإسرائيل أعلى المستويات، فقد بدأ بتوجيه المدعي العام لـ “الجنائية الدولية” اتهامات لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وزير دفاعه، وطلب من المحكمة إصدار مذكرات اعتقال ضدهما وثلاثة قادة من “حماس”.

ومع أن الولايات المتحدة وإسرائيل لا تعترفان بالمحكمة، إلا أن صدور مذكرات يعني التزام أعضائها الـ 124 بأي مذكرة، وستكون مجبرة على اعتقال نتنياهو وغالانت لو دخلا أراضي أي منها.

ثم أعلنت أيرلندا والنرويج وإسبانيا عن انضمامها لـ 140 دولة اعترفت بفلسطين كدولة. وفي الوقت الذي دعت فيه “محكمة العدل الدولية” إسرائيل لفتح المجال أمام وصول المساعدات الإنسانية، وصفت منظمات الإغاثة الدولية الوضع في رفح بسبب العملية العسكرية. وقال منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة مارتن غريفيث: “كما كان يخشى لا يمكن وصف المأساة”، وقال إن العملية “شرّدت أكثر من 800,000 شخص، وقطعت تدفق المساعدة إلى جنوب غزة، وشلت العملية الإنسانية التي وصلت إلى نقطة الانكسار”. وقال غريفيث: “مع أن إسرائيل تجاهلت نداءات المجتمع الدولي لتجنيب رفح إلا أن المطالب العالمية لوقف العملية زادت علّوا ولا يمكن تجاهلها”، و”هذه لحظة وضوح، وهي لحظة تدعو لاحترام قواعد الحرب التي يلتزم بها الجميع”.

وفي الوقت الذي استمرت فيه الإدارة الأمريكية وصف عملية رفح بـ “المحدودة”، إلا أنها عبّرت عن قلق متزايد، حيث قال ديفيد ساترفيلد، مبعوث الإدارة للشؤون الإنسانية: “أنا قلق من أمرين من عملية رفح”، “الأول هو التداعيات” على المشردين البالغ عددهم 1.5 مليون نسمة، حيث ازدحموا في رفح وحولها، و”أين سيذهبون” عندما تحول إسرائيل عمليتها باتجاه المدينة، و”كيف سيحصلون على الدعم الإنساني والمسكن والماء والطعام والدعم الطبي”. أما مصدر القلق الثاني فـ “هو طبيعة العملية، وإن كانت محدودة أو غير محدودة”، والتي ستؤدي إلى عمليات إجلاء واسعة: “كل هذا سيتضارب مع  القدرة اللوجيستية والمادية لنقل المساعدة. وللأسف فإن كل هذه المخاوف التي نقلناها إلى الحكومة الإسرائيلية، وعلى أعلى المستويات، قد تحققت”.

وقالت الصحيفة إن إغلاق معبر رفح أدى لتوقف المساعدات الإنسانية، وهو ما دفع الرئيس جو بايدن للاتصال برئيس مصر عبد الفتاح السيسي، الذي وعد بالمساعدة في نقل المساعدات من مصر إلى معبر كرم أبو سالم. وحصل، بالمقابل، على وعد من الرئيس الأمريكي بالعمل على إعادة فتح معبر رفح.

وفي غياب التوقف، والرصيف العائم الذي بنته الولايات المتحدة قرب شاطئ غزة، فلن يتغير أي شيء طالما استمرت إسرائيل في عملياتها ضد رفح، والتي بدأت شرقها، وتتقدم بخطى ثابتة نحو الغرب. وقال سكوت أندرسون، نائب مدير أونروا: “ما أشعر به أنهم يتحركون أبعد غرباً في محاور الإجلاء، وهناك أوامر جلاء جديدة قادمة”، و”أعتقد أن القتال سيدور في غرب المدينة نفسها”.

وفي ظل هذا الوضع، عادت إدارة بايدن لمحاولات التوصل لوقف إطلاق النار، حيث سيقوم مدير المخابرات الأمريكية ويليام بيرنز بمحاولة جديدة للتفاوض مع الوسطاء المصريين والقطريين. لكن الإدارة لم تغيّر أبداً من موقفها من الحرب، أو من دعم إسرائيل.

وفي هذا السياق، كتب باتريك ليهي، الذي أطلق قانون ليهي على اسمه، مقالاً في صحيفة “واشنطن بوست” قال فيه: “لقد أنشأت قانون ليهي، ويجب أن يطبق على إسرائيل”. وهو القانون الذي يحظر على وزارة الخارجية نقل أسلحة لدولة أجنبية إذا ثبت وجود “أدلة موثوقة” أن السلاح الأمريكي استخدم في انتهاكات حقوق إنسان صارخة: قتل، اغتصاب، تعذيب، تغييب قسري، أو أيّ حرمان صارخ لحقوق الحياة والحرية والأمن الشخصي. ويمكن استئناف المساعدات حالة ثبت أن الدول اتخذت خطوات لتصحيح كل هذا. وقانون ليهي، كما يقول، ليس حلاً ناجعاً، لكنه أداة فعالة لتذكير المسؤولين الأجانب والأمريكيين أيضاً أن دافع الضريبة الأمريكي لا يريد تمويل انتهاك حقوق الإنسان. وإسرائيل التي زوّدتها أمريكا بالسلاح، بالكمية لا بالواحدة، لم تتعرض حتى الآن لحظر، وفي ضوء قرار أنطوني بلينكن حظر مجموعة في الجيش الإسرائيلي متهمة بانتهاكات في الضفة الغربية، فهناك حاجة لأن تقدم الوزارة إلى إسرائيل قائمة من الوحدات غير المؤهلة، ومواصلة تحديثها.