نقلت صحيفة “فاينانشيال تايمز” الأمريكية عن مسؤول أمني مصري لم تسمه، الإثنين 27 مايو/أيار 2024، قوله إن هناك اتفاقاً بين تل أبيب والقاهرة على “المضي قدماً” وجعل قضية مقتل الجندي المصري بنيران إسرائيل “تموت بسلام”، كما كشفت عن رغبة مصر في عدم “التصعيد” بسبب الواقعة.
في وقت سابق الإثنين، أعلن الجيش المصري في بيان مقتضب “استشهاد” عنصر تأمين على الحدود مع مدينة رفح جنوب القطاع إثر إطلاق نار، لافتاً إلى أنه تم “فتح تحقيق في الحادث”.
جاء ذلك بعد وقت قصير من إعلان الجيش الإسرائيلي وقوع “تبادل لإطلاق النار” بين جنوده وقوات مصرية قرب معبر رفح البري الفاصل بين غزة ومصر، أدى إلى مقتل جندي مصري، دون وقوع إصابات إسرائيلية.
حتى “تموت بسلام”
وقالت الصحيفة الأمريكية، إن مسؤولاً عسكرياً مصرياً سعى إلى التقليل من أهمية إطلاق النار، وقال في تصريح للصحيفة: إنه كان “حادثاً بسيطاً” وليس له “أي أهمية سياسية”.
من جهتها، نقلت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، عن مسؤول أمني مصري لم تسمه قوله إن “الجانبين قررا ترك قضية مقتل الجندي المصري (تموت بسلام)”.
وكشفت الصحيفة نقلاً عن المسؤول نفسه، عن وجود توجيهات لعناصر الجيش المصري بـ”الابتعاد عن هذا الأمر”، كما أشار إلى أن الرقابة تم تفعيلها أيضاً على الجانب الإسرائيلي “لمنع المنشورات التي يمكن أن تثير الغضب على الجانب الآخر”. وذلك في الوقت الذي تجري فيه مصر وإسرائيل تحقيقاً منفصلاً في ملابسات الحادث.
وتقول الصحيفة إنه كانت هناك مخاوف من وصول العلاقات بين القاهرة وتل أبيب إلى نقطة الانهيار، إلا أن الجانبين غير مهتمين بالقطيعة ويعملان على إنهائها.
كذلك، كشفت الصحيفة أنه مباشرة بعد الواقعة خاض مسؤولون عسكريون مصريون وإسرائليون مشاورات سرية حول الواقعة، وقد تم الاتفاق “على ضرورة إبقاء الأمر سرياً”، وعدم الإدلاء بتصريحات لوسائل الإعلام.
لجنة تحقيق مصرية
في غضون ذلك، قال مصدر أمني مصري، إنه تم تشكيل لجان تحقيق للوقوف على تفاصيل حادث إطلاق النار عند الحدود مع مدينة رفح جنوب قطاع غزة لـ”تحديد المسؤوليات واتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع تكراره مستقبلاً”.
جاء ذلك بحسب ما نقلته قناة “القاهرة الإخبارية” الخاصة على لسان “مصدر أمني مطلع” لم تكشف هويته، بعد إعلان الجيش المصري في وقت سابق “استشهاد” عنصر تأمين على الحدود مع رفح إثر إطلاق نار.
وفق المصدر المصري ذاته، “تم تشكيل لجان تحقيق للوقوف على تفاصيل الحادث لتحديد المسؤوليات واتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع تكراره مستقبلاً”.
فيما لم يوضح المصدر ما إذا كان لجان التحقيق هذه مصرية خالصة أم مشتركة مع الجانب الإسرائيلي، لكن حديثه يأتي بعد إعلان إذاعة الجيش الإسرائيلي بدء تحقيق مشترك مع الجانب المصري في هذا الحادث.
كذلك، كشف المصدر أن “التحقيقات الأولية لحادث إطلاق النيران واستشهاد جندي على الحدود تشير إلى وقوع إطلاق نيران بين عناصر من قوات الاحتلال الإسرائيلي وعناصر من المقاومة الفلسطينية”.
وأوضح أن ذلك “أدى إلى إطلاق النيران في عدة اتجاهات، وقيام عنصر التأمين المصري (الذي قتل في الحادث) باتخاذ إجراءات الحماية والتعامل مع مصدر النيران”.
وطالب المصدر ذاته “المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته إزاء خطورة تفجر الأوضاع على الحدود المصرية مع غزة ومحور فيلادلفيا”، موضحاً أن خطورة تفجر الأوضاع لا تتعلق بـ”الجانب الأمني” فقط، ولكن أيضاً تتعلق كثيراً بتأثيرها السلبي على “مسارات تدفق المساعدات الإنسانية” إلى غزة.
وأشار إلى أن “مصر (سبق أن) حذرت من تداعيات العمليات العسكرية الإسرائيلية بمحور فيلادلفيا”.
ومحور فيلادلفيا أو محور صلاح الدين، هو شريط حدودي بين مصر وقطاع غزة يمتد داخل القطاع بعرض مئات الأمتار وطول 14.5 كيلومتر من معبر “كرم أبو سالم” وحتى البحر المتوسط.
مصر “تحذر”
في السياق ذاته، نقلت قناة “القاهرة الإخبارية” أيضاً عن “مصدر مصري رفيع المستوى”، لم تسمه، أن “مصر تحذر من المساس بأمن وسلامة عناصر التأمين المصرية المنتشرة على الحدود”.
وعلى فترات متباعدة، وقعت حوادث إطلاق نار على الحدود المصرية الإسرائيلية رغم معاهدة السلام الموقعة بين الجانبين عام 1979، وكان آخرها قبل حادث اليوم في 3 يونيو/حزيران 2023. إذ أسفر إطلاق النار عند معبر العوجة آنذاك عن مقتل عنصر أمن مصري و3 عسكريين إسرائيليين، فيما تضاربت روايتي تل أبيب والقاهرة حول ملابسات الحادث.
لكن حادث إطلاق النار اليوم يأتي في ظل “توتر” تشهده العلاقات بين القاهرة وتل أبيب في الفترة الأخيرة على خلفية قيام الجيش الإسرائيلي ببدء عملية عسكرية بمدينة رفح في 6 مايو/أيار الجاري، والسيطرة على الجانب الفلسطيني من معبر رفح رغم التحذيرات الدولية من العواقب الإنسانية الكارثية لذلك.
ورفضت مصر التنسيق مع الجانب الإسرائيلي في المعبر، مؤكدة أنها “لن تقبل” بسياسة “فرض الأمر الواقع” التي تتبعها إسرائيل، متهمة تل أبيب بالمسؤولية عن توقف عمل المعبر، وتصاعد الأزمة الإنسانية في غزة جراء ذلك.
أيضاً عبّرت مصر في أكثر من مناسبة خلال الفترة الأخيرة، عن خشيتها من استغلال إسرائيل الحرب على غزة لمعالجة ما تعتبره “معضلة سكانية فلسطينية” عبر تمرير خطط لتهجير الفلسطينيين إلى مصر، وهو ما رفضته القاهرة باعتباره “خطاً أحمر”.
كما يأتي حادث إطلاق النار بعد ساعات من مقتل 45 فلسطينياً وإصابة عشرات أغلبهم أطفال ونساء، في قصف استهدف خيام نازحين بمنطقة تل السلطان شمال غرب رفح ومناطق مجاورة، رغم زعم الجيش الإسرائيلي أنها ضمن مناطق “آمنة” يمكن النزوح إليها.
وخلّفت الحرب الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 أكثر من 117 ألف فلسطيني بين قتيل وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد عن 10 آلاف مفقود وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة أطفال ومسنين.
وتواصل إسرائيل الحرب رغم أوامر من محكمة العدل الدولية بوقف الهجوم البري على مدينة رفح (جنوب)، واتخاذ تدابير فورية لمنع وقوع أعمال “إبادة جماعية”، وتحسين الوضع الإنساني بغزة.
كما تتجاهل إسرائيل اعتزام المحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرات اعتقال دولية بحق رئيس وزرائها ووزير دفاعها؛ لمسؤوليتهما عن “جرائم حرب” و”جرائم ضد الإنسانية” في غزة.