طالبت المليارديرة الإسرائيلية الأميركية ميريام أديلسون، ذات التوجهات اليمينية المتطرفة، بالتزام مسبق من قبل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بدعم ضمّ الضفة الغربية إلى إسرائيل مقابل مشاركتها في تمويل حملته، في ظل تعهد ترامب لرجال أعمال أميركيين مؤيدين لإسرائيل بـ”إرجاع الحركة المؤيدة (في الولايات المتحدة) للحقوق الفلسطينية” عشرات السنين إلى الوراء لإقناعهم بالتبرع لحملته الانتخابية.
وقالت صحيفة هآرتس الإسرائيلية إن أديلسون، التي تقطن في مدينة هرتسليا شمال تل أبيب، اشترطت على ترامب دعم ضمّ الضفة الغربية وفرض “السيادة الإسرائيلية” على مساحات كبيرة من الأراضي التي احتُلت في 1967 “وأنه لا مكان للسلطة الفلسطينية ولا مجال للحديث عن تسويات سياسية للصراع”. وبالمقابل، أكدت استعدادها للإسهام في تمويل حملة ترامب أكثر مما أسهم به زوجها. وكان ترامب، بحسب الصحيفة، قد دعا أديلسون في مارس/ آذار الماضي إلى منتجعه “مار ألاجو” لإقناعها بالتبرع لحملته، مشيرة إلى أن ترامب وأدلسون أجريا منذ ذلك الوقت عدة اتصالات بينهما.
وميريام أديلسون أرملة الملياردير اليهودي شيلدون أديلسون وشريكته، وهو الذي بنى ثروة طائلة من خلال تشييد صالات القمار وإدارتها، وكان من أكبر الداعمين لمرشحي الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية الأميركية وانتخابات الكونغرس. وتملك أديلسون صحيفة يسرائيل هيوم، التي دشنها زوجها من أجل تعزيز الحضور الإعلامي لليمين الإسرائيلي، حيث توزَّع الصحيفة مجاناً، فضلاً عن أن أديلسون تُعتبَر من أكبر المتبرعين للمشاريع الاستيطانية اليهودية في الضفة الغربية، وعلى رأسها جامعة أرئيل الواقعة في مستوطنة أرئيل، شمال غربيّ الضفة الغربية، التي تُعَدّ الجامعة اليهودية الوحيدة المقامة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وأبرزت الصحيفة تقديم شيلدون أديلسون في 2012 عشرات الملايين من الدولارات لدعم نيوت غينغريتش في الانتخابات التمهيدية لتسمية مرشح الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية، حيث كان غينغريتش أكثر القيادات الجمهورية حماسة لدعم مواقف اليمين في دولة الاحتلال، وإن كان دعم أدلسون لم يسهم في نجاحه، حيث فاز ميت رومني بترشيح الجمهوريين وخسر لاحقاً أمام باراك أوباما الديمقراطي.
وبحسب الصحيفة، فإن استعداد شيلدون أديلسون لدفع أموال طائلة لدعم مرشحي الحزب الجمهوري جعل قادة الجمهوريين السبعة عشر الذين تنافسوا في الانتخابات التمهيدية عام 2016 يتوجهون إلى مدينة لاس فيغاس، التي يقيم أدلسون فيها ويدير من هناك صالات القمار، وهناك استجوبهم الملياردير اليهودي لمعرفة مستوى استعدادهم لتبنّي مواقف مؤيدة للاحتلال الإسرائيلي وسياساته.
وأشارت هآرتس إلى دفع شيلدون أديلسون في 2016 حوالى 20 مليون دولار لترامب بعد إعلان فوزه على هيلاري كلينتون لتغطية نفقات حملته الرئاسية مقابل التزامه نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، وهذا ما حصل لاحقاً. وأضافت الصحيفة أن إجمال ما دفعه أدلسون لحملة ترامب في حينه بلغ 90 مليون دولار “وهو ما حوله إلى المتبرع الأكثر تأثيراً في البيت الأبيض”، على حدّ تعبير هآرتس.
وأفادت الصحيفة بأن رجال أعمال يهوداً آخرين استغلوا حقيقة أن حملة ترامب تمر في أزمة مالية خانقة بعد تخصيصه أموالاً طائلة لتغطية تكاليف محاكمته في القضية الجنائية، التي أدين بها أخيراً، لدفعه نحو تقديم تعهدات تخدم مصالح اليمين الإسرائيلي في دولة الاحتلال كشرط للدعم. وقالت الصحيفة إن ترامب تعهد في لقاء جمعه في 14 مايو/ أيار الماضي مع 98 من المتبرعين اليهود بتصفية حركة الاحتجاج المؤيدة للحقوق الفلسطينية، التي عبّرت عنها انتفاضات الجامعات الأميركية، في إطار سعيه لإقناعهم بالتبرع لحملته، وقال لهم: “إن ساعدتموني في الفوز.. سنعمل على إعادة الحركة المؤيدة للفلسطينيين 25-30 عاماً إلى الوراء”.
وأشارت هآرتس إلى أن ترامب، تحت وطأة الضائقة الاقتصادية الخانقة التي يمر بها، توجه أيضاً إلى المياردير اليهودي جيفري ياس، الذي يُعَدّ من أكبر الداعمين لمنتدى كهلات، أحد المنتديات التي تمثل التيار الديني القومي في دولة الاحتلال، والذي لعب دوراً رئيسياً في دفع حكومة بنيامين نتنياهو إلى تبنّي خطة “الإصلاحات القضائية” التي هدفت، ضمن أمور أخرى، إلى تحسين قدرة اليمين اليهودي على حسم الصراع مع الشعب الفلسطيني. ويحوز ياس وشريكه أرثور دنتسيك 15 بالمائة من أسهم موقع “تيك توك”، وهو يرغب أيضاً في توظيف تمويله لترامب في دفعه إلى إلغاء القانون الذي مرره الجمهوريون والديمقراطيون في الكونغرس والذي يحظر السماح بعرض هذا التطبيق في الهواتف الذكية داخل الولايات المتحدة، بالإضافة إلى التزاماته بمواقف اليمين في دولة الاحتلال.
وأشارت الصحيفة إلى أن عدداً كبيراً من رجال الأعمال الأميركيين غير اليهود، في المقابل، قرروا دعم ترامب، ليس حرصاً على مصالح دولة الاحتلال، بل انطلاقاً من الحرص على مصالحهم الاقتصادية والتجارية التي تضررت بفعل القوانين والمراسيم التي أصدرها الرئيس الحالي جو بايدن. ولفتت إلى أن عدداً كبيراً من رؤساء شركات الطاقة والمرافق الصناعية العملاقة التقوا في أحد الليالي في شهر إبريل/نيسان الماضي ترامب في منتجعه الخاص، وتعهدوا بجمع 400 مليون دولار لحملته الانتخابية مقابل إلغاء القوانين والمراسيم التي أصدرها بايدن، المتعلقة بالحفاظ على البيئة والمناخ، والتي أدت إلى التضييق كثيراً على مجالات عمل شركاتهم.
وقال ترامب لرجال الأعمال: “جميعكم أغنياء بما يكفي لجمع مليار دولار من أجل إعادتي إلى البيت الأبيض… إنها صفقة جيدة، وإلا فإنكم ستضطرون إلى دفع الكثير من الأموال باعتبارها ضرائب وتكاليف للإجراءات الإدارية التي فرضتها إدارة بيادن”. وبحسب الصحيفة، قال ترامب في لقائه مديري شركات الطاقة وأرباب المرافق الصناعية: “سأكون ديكتاتوراً في اليوم الأول من وصولي إلى المنصب”، متعهداً بإلغاء القيود التي فرضها بايدن على استخدام الغاز الطبيعي في اليوم الأول من حكمه. وأضافت الصحيفة أن ترامب تعهد لمديري شركات الطاقة وأصحاب المرافق الصناعية بإلغاء القيود التي فرضها بايدن على عمليات التنقيب عن النفط في خليج المكسيك وألاسكا، حيث تعهد بمنحهم تراخيص للعمل في هذا المجال لمدة خمس سنوات متواصلة.