تُغطي حرب الإبادة على الفلسطينيين في غزة والضفة كل النقاشات السياسية في المنطقة! ورغم ان غزة هي مركز الحرب! إلا أن الضفة الغربية بنظر القادة في إسرائيل هي الجائزة الكبرى، كونها غنية بالهِضاب والجبال وتشرف على المراكز الحيوية في إسرائيل (10 ميل ما بين الضفة ونتانيا على البحر)، وهذا يستدعي السيطرة عليها وطرد سكانها كما حصل عام 1948 عندما وَضعت منظمة (الهاجاناه) برئاسة بن غوريون خطة سُميت بخطة دالت Dalet Plan تم الإعلان عنها في 10 آذار 1948 والتي نُشرت عام 1961 في مجلة The Middle East Forum.
الخطةُ تضمنت خططاً سياسية وتنفيذية أبرزها: أن في كل هجوم ضد الفلسطينيين يجب توجيه ضربة حاسمة تؤدي إلى تدمير المكان وطرد السكان.
في كتابه (مكان بين الأمم: إسرائيل والعالم) والذي تم نشره عام 1992 يقول نتنياهو: أن إسرائيل دولة هشة غير قابلة للدفاع عن نفسها من دون الضفة (يهودا والسامرة)! وان غزة تُمثلُ خطراً سياسياً، بينما الضفة هي الخطر الاستراتيجي من الناحية الأمنية لاسرائيل كونها ترتبط بالجغرافيا والديموغرافيا، فـ ليتذكر الاسرائيليون أننا كُنا خرائط على الطاولة قبل مئة عام، أما الآن فلدينا فرصتنا لفرض شراكتنا وبيدنا ثمن ذلك.
وهذا ما أسماه (تشالز فريليش) نائب مستشار الامن القومي الاسرائيلي بالكابوس الجغرافي، وبأزمة عمق دولة إسرائيل المتمثلة في غياب الحدود الطبيعية مع الدول المجاورة في الشكل الطولي لإسرائيل!
واضح جداً أن الترتيب الزمني للأحداث هو جزء أساسي من المخطط! فعلى ما يبدو ان هناك شيءٌ يُعد له بصمت! وهذا ما تفعله إسرائيل حالياً من قتل وابادة وتهجير بحق الفلسطينيين! ولسان حالها يقول لا بأس بما ان أقصى ما لديهم هو الاستنكار والفُرجة.
لكن ما يُبقي نظرية المؤامرة خيالً هو ان الناس لا يكتشفون أنها مؤامرة إلا بعد رحيل الضالعين فيها، وانتهاء صلاحية النشر لها، فمن خلال الوثائق الاسرائيلية التي سُمح بالكشف عنها ان عملية تهجير الفلسطينيين عام 1948 تم التخطيط لها بصورة مُسبقة مع الكثير من زعماء المنطقة! وان حرب عام 1967 لم تكن نتيجة تصاعد توترات هنا وهناك! بل كانت خطة متّفق عليها والدليل على ذلك سرعة حسم المعركة.
أين نحن إزاء ما يتم التخطيط له من تكريس صهيوني لفكرة موت التاريخ العربي … إسرائيل ماضية في تمدد جيوسياسي في المنطقة والإقليم بانخراطها في الأحلاف والاتفاقيات الجانبية (العسكرية والأمنية والاقتصادية)! وهدفها الارض والتاريخ، والجغرافيا والسيطرة والحكم! ولهذا أعدّت إسرائيل قبل فترة خرائط جديدة لأراضي الضفة الغربية وملكياتها عن طريق العودة إلى القيود العقارية في الفترات العثمانية والبريطانية والاردنية، وقامت من خلال الصندوق القومي اليهودي (كاكال) بشراء غالبية اراضي القدس الشرقية والضفة الغربية عن طريق شركات وسماسرة مرتبطة بأنظمة عربية.
قبل شهرين نفذّت اسرائيل اكبر عملية استيلاء على اراضي الضفة الغربية منذ 30 عاماً! حيث قدّرت مساحتها بحوالي 13 ألف دونم في الأغوار وفي العزيزية وأبو ديس شرقي القدس، بدعوى أنها اراضي دولة (أي أراضٍ أميرية) ليست مُلكاً لاحد وليس لها سندات ملكية.
الشعب الفلسطيني في غزة والضفة والقدس الشرقية يعيش منذ عشرات السنين في سجن كبير تحاصره إسرائيل، والتواصل الجغرافي بين جغرافيا الضفة الغربية معدومٌ، فـ هناك اكثر من 850 حاجز وعائق من الحواجز والمكعبات الأسمنتية والبوابات الحديدية تمنع التواصل فيما بينهم! وهذه الخطة لقطع أوصال الضفة والضغط على أهلها لتركها والهجرة نحو الاردن تم التأسيس لها عام 1967 وسميّت وقتها بـ (خطة يغآل ألون).
بالتأكيد، واقع غزة سيُنتجُ الكثير من المتغيرات في المشهد الجيوسياسي القادم داخل الإقليم والمنطقة، وسيلقي بذيوله على الكثير من المتغيرات شئنا ام أبينا، وستنشغل دول المنطقة بهمومها وسخط شعوبها، وستنتهز إسرائيل ذلك في فرض سياسة الأمر الواقع على الارض بتنفيذ ما تبقى من بنود صفقة القرن التي تكتسب حالياً القوة والجاذبية بموافقة كل الأطراف المعنية بأمن إسرائيل، ولن تنتهي مرحلة القلق بتاتاً، على العكس! ستدخل المنطقة في مرحلة تحول كبير، وسيتواصل عجز الدولة العربية بأن يكون لها دورٌ شريف ونظيف.
نحن امام حالة سوريالية من الجنون الوحشي الصهيوني! وما علينا ان ننتبه اليه ونتيقنه في الأردن وندخله في قراراتنا وحساباتنا أن مصير الضفة الغربية يتقرر الآن في غزة، فالصراع مع إسرائيل لا يدور في الفراغ!، وهذا يتطلب من الجميع التحدث بصوت عالٍ إلى حد الصراخ لعدم تصغير المشهد بأنه سيناريوا ليس أكثر، فـ الخوف من حسابات خاطئة قد تدخلنا في منطقة مجهولة، فما قاله الصحفي الأمريكي Roger Cohen في مقابلته المتلفزة مع شبكة ( CGTN America ) قبل أيام كان خطيراً حيث اشار ان مستقبل الفلسطينيين في الاردن فقط لأنهم الأغلبية ويمثّلون 60٪ من تعداد السكان، ويمكن ان يُبنى لهم مدن جديدة لاستيعابهم وان يحوزوا حقوقاً سيادية! فالأردن على حد قوله كان ولا يزال يستوعب ما يفرزه الاقليم من هجرات ايجابية وسلبية جرّاء أزمات المنطقة، فهو الخزان البشري وهذه وظيفته.
الفلسطينيون ليس لهم ذنب في كل ما جرى منذ اكثر من 75 عاماً ولم يُدركُوا ما كان يخفيه لهم القدر! لكن بسبب مؤامرة ولُعبة لُعِبت عليهم وعلى ارضهم أصبحوا لاجئين ونازحين ومشردين وتائهين في بقاع الارض!! تراهم اليوم يخوضون حربهم وحدهم لا شريك لهم، يموتون وحدهم، ويجوعون وحدهم، ويدفنون اطفالهم وحدهم.
كاتب اردني