لم تَهْزم 9 أشهر من العمليات القتالية الجوية والبرية الإسرائيلية في غزة حركة حماس، بل إن إسرائيل ليست حتى قريبة من هزيمة الحركة. بل على العكس من ذلك، أصبحت حماس اليوم أقوى مما كانت عليه في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، كما تقول مجلة foreign affairs الأمريكية.
ومنذ هجوم حماس في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، غزت إسرائيل شمال وجنوب غزة بحوالي 40 ألف جندي مقاتل، وهجرت 80% من السكان قسراً داخل القطاع، وقتلت أكثر من 37 ألف إنسان معظمهم مدنيون، وأسقطت ما لا يقل عن 70 ألف طن من القنابل على القطاع، (وهو ما يتجاوز الوزن الإجمالي للقنابل التي تم إسقاطها على لندن ودريسدن وهامبورغ طوال الحرب العالمية الثانية)، دمرت إسرائيل أو ألحقت أضراراً بالغة بأكثر من ثلثي المباني في غزة، وقيدت وصول القطاع إلى المياه والغذاء والكهرباء، ما ترك السكان بالكامل في حالة مجاعة غير مسبوقة.
ورغم أن العالم يرى عدم أخلاقية إسرائيل في هذه الحرب، ورغم تهم الإبادة الجماعية التي تلاحقها، فإن زعماء إسرائيل ظلوا يزعمون على الدوام أن هدف هزيمة حماس وإضعاف قدرتها على شن هجمات جديدة ضد الإسرائيليين لابد أن تكون له الأسبقية على أية مخاوف بشأن حياة الفلسطينيين، ويجب على العالم قبول معاقبة سكان غزة باعتبار ذلك ضرورياً لتدمير قوة حماس!
استراتيجية “إسرائيل” الفاشلة في الحرب تجعل حركة حماس أقوى
لكن ما يحدث اليوم، وبفضل الهجوم الإسرائيلي، فإن قوة حماس آخذة في النمو فعلياً بحسب “فورين أفيرز”. وكما ازدادت قوة “الفيت كونغ” (الجبهة الوطنية لتحرير جنوب فيتنام) خلال عمليات “البحث والتدمير” الضخمة التي اجتاحت معظم أنحاء فيتنام الجنوبية في عامي 1966 و1967 عندما أرسلت الولايات المتحدة قواتها إلى البلاد في محاولة غير مجدية لتحويل مسار الحرب لصالحها، فإن حماس لا تزال قائمة وقوية.
لقد تطورت هذه الحركة إلى قوة “عصابات مسلحة” عنيدة ومميتة في غزة، مع استئناف العمليات البرية في المناطق الشمالية التي كان من المفترض أن إسرائيل قامت بالسيطرة عليها قبل بضعة أشهر فقط كما زعمت.
تقول المجلة الأمريكية إن الخلل الرئيسي في استراتيجية إسرائيل ليس بالضرورة فشل التكتيكات أو فرض قيود على القوة العسكرية لحماس، بل إن الفشل الذريع كان عبارة عن سوء فهم فادح لمصادر قوة حماس. ومما ألحق ضرراً كبيراً بإسرائيل أنها فشلت في إدراك أن المذبحة والدمار الذي ارتكبته في غزة لم يؤدّ إلا إلى زيادة قوة حماس.
ولعدة أشهر، ركز المحللون الإسرائيليون والعسكريون اهتمامهم على عدد مقاتلي حماس الذين تزعم القوات الإسرائيلية قتلهم، كما لو كانت هذه الإحصائية هي المقياس الأكثر أهمية لنجاح الحملة الإسرائيلية ضد الحركة. ومن المؤكد أن العديد من مقاتلي حماس قد قُتلوا، حيث تشير مصادر استخباراتية أمريكية إلى أن العدد الحقيقي لقتلى حماس يبلغ نحو 10 آلاف مقاتل.
ما سر قوة حماس؟
مع ذلك، فإن التركيز على هذه الأرقام يجعل من الصعب إجراء تقييم حقيقي لقوة حماس. فعلى الرغم من تدمير غزة والحديث عن تقويض قدرات الحركة، إلا أنها ما زالت تسيطر فعلياً على مساحات واسعة من غزة وتهاجم القوات الإسرائيلية المتوغلة في القطاع من الشمال وحتى الجنوب. ولا تزال الحركة تتمتع بدعم هائل من سكان غزة الذين يمثلون حاضنتها الشعبية ويؤمنون بها كفكرة ومنهج. والآن يسهل على المقاتلين الظهور بسهولة في المناطق التي تقول إسرائيل إنها “طهرتها” سابقاً. ووفقاً لتقييم إسرائيلي حديث، أصبح لدى حماس الآن عدد أكبر من المقاتلين في المناطق الشمالية من غزة، التي تكبد فيها الجيش الإسرائيلي مئات الجنود بين جريح وقتيل من أجل فرض سيطرته عليها.
وتشن حماس الآن حرب عصابات، تنطوي على نصب كمائن وقنابل محلية الصنع، أو أخرى مصنوعة من ذخائر غير منفجرة أطلقها الجيش الإسرائيلي، وهي عمليات مطولة قال مستشار الأمن القومي لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مؤخراً إنها قد تستمر حتى نهاية عام 2024 على الأقل، ولا يزال بإمكانها ضرب إسرائيل وتهديدها.
وبحسب مصادر “فورين أفيرز” من المرجح أن لدى حماس نحو 15 ألف مقاتل معبأ على الأرض، أي ما يقرب من عشرة أضعاف عدد المقاتلين الذين نفذوا هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول. علاوة على ذلك، لا يزال أكثر من 80% من شبكة الأنفاق تحت الأرض التابعة للتنظيم صالحة للاستخدام في التخطيط وتخزين الأسلحة والتهرب من المراقبة والاحتفاظ بالأسرى وشن هجمات على القوات الإسرائيلية. ولا تزال أغلب القيادات العليا لحماس في غزة على حالها.
خلاصة القول، إن الهجوم الإسرائيلي السريع في الخريف قد أفسح المجال لحرب استنزاف طاحنة من شأنها أن تترك لحماس القدرة على مهاجمة الإسرائيليين حتى لو واصل الجيش الإسرائيلي حملته في جنوب غزة لفترات أطول.
وغالباً ما كانت “عمليات مكافحة التمرد” الفاشلة في الماضي تركز على أعداد القتلى من الأعداء. ويشارك الجيش الإسرائيلي الآن في لعبة “اضرب الخلد” المألوفة التي أعاقت القوات الأمريكية في أفغانستان لـ20 عاماً وانتهت بانتصار حركة طالبان وانسحاب الجيش الأمريكي.
إن الاهتمام الاستعبادي بأعداد القتلى يميل إلى الخلط بين النجاح التكتيكي والاستراتيجي، ويتجاهل التدابير الرئيسية التي من شأنها أن تظهر ما إذا كانت القوة الاستراتيجية للخصم تنمو حتى مع تزايد الخسائر المباشرة للمجموعة. بالنسبة للجماعة المسلحة، المصدر الرئيسي للقوة ليس حجم الجيل الحالي من المقاتلين، بل قدرتها على كسب المؤيدين من المجتمع المحلي في الماضي والحاضر والمستقبل.
إن قوة حركة مقاومة مسلحة مثل حماس لا تأتي من العوامل المادية النموذجية التي يستخدمها المحللون للحكم على قوة الدول، بما في ذلك حجم اقتصادها، والتطور التكنولوجي لجيوشها، ومدى الدعم الخارجي الذي تتمتع به، والقوة العسكرية التي تتمتع بها، وقوة أنظمتهم التعليمية. وبدلاً من ذلك، فإن المصدر الأكثر أهمية لقوة حماس وغيرها هو القدرة على التجنيد، وخاصة قدرتها على جذب أجيال جديدة من المقاتلين والناشطين الذين يؤمنون بها، ومستعدين للموت من أجل هذه القضية. وهذه القدرة على التجنيد والإيمان في الفكرة متجذرة في عامل واحد: حجم وشدة الدعم الذي تستمده الحركة من مجتمعها.
حماس قادرة على تجديد صفوفها في كل مرة
إن دعم الحاضنة الشعبية يسمح للحركات المشابهة لحماس بتجديد صفوفها، واكتساب الموارد، وتجنب الكشف عنها، وبشكل عام، الحصول على مزيد من الموارد البشرية والمادية اللازمة لتعبئة ومواصلة العمليات المسلحة القاتلة. ولأن أفراد المجتمع متضررون جداً من إسرائيل وغاضبون لتدمير منازلهم أو فقدان أفراد من عائلاتهم أو أصدقائهم أو سلب أرضهم، يبحث هؤلاء عن الانتقام لأنفسهم في الانضمام إلى جهات مثل حماس، التي أثبتت أنها قادرة على الولادة في كل مرة تعرضت فيها لضربات عنيفة من قبل إسرائيل.
والأهم من ذلك، أن دعم المجتمع ضروري لتعزيز ثقافة الاستشهاد، حيث إن المجتمع الذي يكرم المقاتلين من أبناء الحركة الذين سقطوا خلال قتال عدوهم يساعد في الحفاظ عليها؛ والاستشهاد يضفي الشرعية على الأعمال القتالية ويشجع المجندين الجدد على الانضمام. وتضحية الفرد تحظى بمكانة عالية بين الفلسطينيين.
وليس من المستغرب أن تبذل حركات مثل حماس جهوداً كبيرة لكسب ود المجتمعات المحلية التي تنتمي إليها. ومن خلال الاندماج في المؤسسات الاجتماعية، مثل المدارس والجامعات والجمعيات الخيرية والتجمعات الدينية، تصبح الجماعات جزءاً من نسيج المجتمعات، وأكثر قدرة على كسب المزيد من المجندين ودعم غير المقاتلين.
على سبيل المثال، ازدهر حزب الله بسبب الدعم الشعبي المتزايد بين الشيعة خلال الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان من عام 1982 إلى عام 1999، وتطور من جماعة سرية صغيرة إلى حزب سياسي رئيسي يضم جناحاً مسلحاً يضم عشرات آلاف المقاتلين المستعدين للتضحية. وكان الدعم المجتمعي القوي هو الدافع وراء العمليات العسكرية طويلة الأمد لنمور التاميل في سريلانكا، و”الدرب الساطع” في بيرو، وطالبان في أفغانستان.
ويمكن أن يكون فقدان دعم المجتمع أمراً مدمراً للجماعات المسلحة وحركات التحرر. وفي أعقاب الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، ارتفع عدد المقاتلين لدى السّنة من 5000 في ربيع 2004 إلى 20 ألفاً بحلول خريف عام 2004، ثم إلى 30 ألفاً في فبراير/شباط 2007، وفقاً للتقديرات الأمريكية.
حرب قلوب وعقول
وتساعد هذه الديناميكيات في تفسير بقاء حماس في السلطة في حربها مع إسرائيل. ولتقييم القوة الحقيقية للجماعة، يجب على المحللين أن يأخذوا في الاعتبار الأبعاد المختلفة للدعم الذي تحظى به بين الفلسطينيين، وهو كبير ويضاهي شعبية السلطة الفلسطينية أضعافاً. إن هذه العوامل، أكثر من العوامل المادية، توفر أفضل مقياس لقدرة حماس على القيام بحملات مسلحة طويلة الأمد ضد إسرائيل، بحسب المجلة الأمريكية.
يمكن أن تساعد استطلاعات الرأي الفلسطينية في تقييم مدى الدعم المجتمعي لحماس. وقام المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، وهو منظمة استطلاعية تأسست عام 1993 بعد اتفاقيات أوسلو وتتعاون مع المؤسسات الإسرائيلية، بإجراء مقابلات مع النازحين في أماكن مؤقتة في غزة بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وتضاعف تقريباً العدد المعتاد للمشاركين الذين تمت مقابلتهم نظراً للتوزيع السكاني غير المؤكد والمتغير في القطاع المحاصر.
وتقدم خمس استطلاعات للمركز الفلسطيني كان آخرها في يونيو/حزيران 2024، نتيجة مذهلة: في جميع المقاييس تقريباً، تتمتع حماس بدعم أكبر بين الفلسطينيين اليوم مما كانت عليه قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
لقد تزايد الدعم السياسي لحماس، خاصة بالمقارنة مع منافسيها. على سبيل المثال، على الرغم من أن حماس ومنافستها الرئيسية، فتح، تمتعتا بمستويات دعم متكافئة تقريباً في يونيو/حزيران 2023، إلا أنه بحلول يونيو/حزيران 2024، تضاعف عدد الفلسطينيين الذين دعموا حماس (40% مقارنة بـ20% لفتح).
إن الهجوم الإسرائيلي لم يؤدّ إلى تأليب الفلسطينيين ضد حماس. ولم يؤدّ القصف الإسرائيلي والغزو البري لغزة إلى تراجع التأييد الفلسطيني للهجمات ضد الإسرائيليين، ولا إلى تراجع التأييد لهجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول. وفي مارس/آذار 2024، اعتقد 73% من الفلسطينيين أن حماس كانت على حق في شن هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول. وهذه الأرقام مرتفعة للغاية، ليس فقط بعد أن أدت الهجمات إلى تحفيز الحملة الوحشية الإسرائيلية، ولكن أيضاً في ضوء حقيقة أن عدداً أقل، 53%، من الفلسطينيين أيدوا الهجمات المسلحة على المستوطنين الإسرائيليين في سبتمبر/أيلول 2023.
وتستمتع حماس بلحظة “الاحتشاد حول العَلَم”، ما يساعد في تفسير سبب عدم قيام سكان غزة بتقديم المزيد من المعلومات الاستخبارية للقوات الإسرائيلية حول مكان وجود قادة حماس والأسرى الإسرائيليين، كما تقول “فورين أفيرز”. ويبدو أن الدعم للهجمات المسلحة ضد الإسرائيليين قد ارتفع خاصة بين الفلسطينيين في الضفة الغربية، وهو ما يتساوى الآن بحق مع مستويات الدعم العالية المستمرة لهذه الهجمات في غزة، ما يدل على أن حماس حققت مكاسب واسعة النطاق في المجتمع الفلسطيني منذ أكتوبر/تشرين الأول وحتى الآن، على عكس شعبية السلطة الفلسطينية التي أصبحت في الحضيض.
من المؤكد أن العقوبات الهائلة التي فرضتها إسرائيل على غزة تدفع العديد من الفلسطينيين إلى الشعور بمزيد من العداء تجاه الدولة الصهيونية والالتفاف حول حماس.
قوة الرسالة التي تمتلكها حركة حماس
تقول “فورين أفيرز” إن الدعاية لا تعمل من خلال خلق وغرس الخوف والغضب بقدر ما تفعل ذلك من خلال إعادة توجيه هذه المشاعر نحو أهداف ملموسة. وتشكل جهود حماس مثالاً رئيسياً على هذا التكتيك. منذ بدء الحرب، قامت الحركة بنشر كمية هائلة من المواد عبر الإنترنت، في محاولة لحشد الشعب الفلسطيني حول نهجها وسعيها لتحقيق النصر ضد إسرائيل.
وهنا يجب أن نذكر هذا البحث المهم، حيث قام فريق تحليل الدعاية العربية -وهو مجموعة متخصصة من اللغويين العرب المتخصصين في جمع وتحليل الدعاية العسكرية باللغة العربية- في جامعة شيكاغو بدراسة الدعاية التي تنتجها حماس وجناحها العسكري، كتائب القسام، ويتم توزيعها على قناة التليغرام الرسمية للكتائب في أعقاب 7 أكتوبر/تشرين الأول. وقد نشرت القناة التي تضم أكثر من 500 ألف مشترك، رسائل وصور ومقاطع فيديو وغيرها من المواد الدعائية كل يوم تقريباً منذ هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول.
قام محمد الجوهري، قائد فريق البحث، بتحليل أكثر من 500 جزء من الدعاية في الفترة من 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى 27 مايو/أيار 2024. ومن غير المعروف عدد الفلسطينيين الذين يستهلكون هذه المواد عبر الإنترنت، لكن غزة والضفة الغربية لديهما إمكانية الوصول إلى الإنترنت يومياً، وإن كان بشكل متقطع. ويعكس المحتوى الرقمي لحماس جهودها الدعائية التناظرية في شبكات المجتمع المحلي.
وتتمحور المواد حول ثلاثة مواضيع: ليس أمام الشعب الفلسطيني خيار سوى القتال لأن إسرائيل عازمة على ارتكاب فظائع لا توصف ضد جميع الفلسطينيين حتى لو لم يشاركوا في عمليات عسكرية؛ وتحت قيادة المقاومة يستطيع الفلسطينيون هزيمة إسرائيل في ساحة المعركة؛ وأولئك المقاتلون الذين يموتون في المعركة يحصلون على الشرف والمجد.
ونشرت حماس عدداً كبيراً من مقاطع الفيديو والبيانات والمواد الأخرى لإثبات أن هجومها على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول كان رد فعل ضرورياً ومبرراً على الاحتلال وفظائع العدوان الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، بما في ذلك التوغلات المتكررة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والانتهاكات في المسجد الأقصى المبارك ومدينة القدس المحتلة.
ولنتأمل هنا بيان حماس الذي نُشر أصلاً في 22 يناير/كانون الثاني وتم توزيعه على نطاق واسع حتى في وسائل الإعلام الإسرائيلية والعالمية تحت اسم “روايتنا”. ويشرح هذا الإعلان المستفيض بعمق مبررات الحركة لمهاجمة المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، مع التركيز على المظالم الطويلة الأمد بشأن تصرفات الحكومة الإسرائيلية والمستوطنين، بما في ذلك الاقتحامات للمسجد الأقصى والقيود المفروضة على المصلين هناك؛ والتوسع المستمر للمستوطنات في الضفة الغربية؛ والمعاملة المروعة التي يتعرض لها الأسرى الفلسطينيين في إسرائيل، والحصار الذي تفرضه إسرائيل على غزة، وفرض سياسات شبيهة بالفصل العنصري في الضفة الغربية.
وتؤكد العديد من مقاطع الفيديو والصور والملصقات على براعة حماس العسكرية، وتعرض الهجمات الناجحة على أهداف إسرائيلية بشجاعة كبيرة، وخاصة المركبات المدرعة والدبابات التي تعتبرها إسرائيل متقدمة وحصينة جداً وكلفتها ملايين الدولارات.
وتهدف هذه المنشورات إلى إبراز قوة حماس وفعاليتها، ما يوحي بأن الحركة قادرة على إلحاق ضرر كبير بخصومها المتفوقين تكنولوجياً. كما تظهر الرمزية الدينية، مثل الآيات القرآنية، بشكل كبير، ما يصور كفاح حماس على أنه كفاح روحي عقدي راسخ. وتهتم حماس بتسليط الضوء على المقاتلين الذين سقطوا وهم يقاتلون إسرائيل في خدمة قضية نبيلة وشرعها الله، حيث إن تمجيد استشهادهم يلهم المجندين الجدد المحتملين.
“حماس لم تهزم”
تقول المجلة الأمريكية، بعد تسعة أشهر من الحرب المرهقة، حان الوقت للاعتراف بالحقيقة الصارخة: لا يوجد حل عسكري لهزيمة حماس. ويبلغ عدد مقاتلي الجماعة أكثر من مجموع عدد مقاتليها الحالي. إنها أيضاً أكثر من مجرد فكرة مثيرة للذكريات. إن حماس حركة سياسية واجتماعية جوهرها العمل المسلح ضد إسرائيل، ولن تختفي في أي وقت قريب.
إن الاستراتيجية الإسرائيلية الحالية المتمثلة في العمليات العسكرية المكثفة قد تؤدي إلى مقتل بعض مقاتلي حماس، لكن هذه الاستراتيجية لا تؤدي إلا إلى تقوية الروابط بين حماس والمجتمع المحلي. طيلة تسعة أشهر، واصلت إسرائيل تنفيذ عمليات عسكرية غير مقيدة تقريباً في غزة، ولم تحقق إلا قدراً ضئيلاً من التقدم الواضح نحو تحقيق أي من أهدافها.
إن حماس لم تُهزم، ولا هي على وشك الهزيمة، وقضيتها أصبحت أكثر شعبية وجاذبية أقوى مما كانت عليه قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول. وفي غياب خطة قد يقبلها الفلسطينيون لمستقبل غزة والشعب الفلسطيني، فإن حماس سوف تستمر في البقاء وتهديد أمن إسرائيل، وستعود من الحرب بأعداد أكبر.
ولكن لا يبدو أن القادة الإسرائيليين أصبحوا أكثر استعداداً لتصور مثل هذه الخطة السياسية القابلة للتطبيق مقارنة بما كانوا عليه قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول. ولا تلوح في الأفق نهاية تذكر للمأساة المستمرة في غزة. وسوف تستمر الحرب، وسيموت المزيد من الفلسطينيين، وسوف تقوى حماس، وسوف يتزايد التهديد الفلسطيني لإسرائيل.