مناورات «طالبان».. إرباك.. وهروب بين اقتراح الهدنة وتأييد التسوية

فيما أضحى الوضع في أفغانستان مع استكمال الانسحاب الأمريكي معقدا وشائكا على خلفية تصاعد العنف والفوضى، وهو ما أربك دول الجوار والقوى الكبرى المتصارعة على «الكعكة الأفغانية»، فإن حركة طالبان، التي تواصل معاركها الطاحنة للسيطرة والهيمنة، بدت خلال الساعات الـ48 الماضية تغير من إستراتيجيتها، إذ اقترحت هدنة من 3 أسابيع مقابل إطلاق سراح 7 آلاف من سجنائها في سجون أفغانستان، ثم أعقبتها بالحديث على لسان زعيمها عن استعدادها للوصول لتسوية سياسية تنهي النزاع الدامي الذي راح ضحيته الملايين من القتلى والجرحى والنازحين، بل زعم الزعيم الطالباني أنه يعتزم التوصل لعلاقات جيدة ووثيقة في كل المجالات مع الدول كافة بما فيها الولايات المتحدة.

وهنا يثور السؤال: ماذا تريد طالبان من هذين الاقتراحين؟، وهل هما مجرد مناورة؟، وهل ستعود طالبان إلى السلطة في أفغانستان؟

لا شك أن الأوضاع الراهنة يمكن أن تمهد الطريق لعودة طالبان إلى السلطة، رغم أن هذه الفرضية تواجه العديد من المتغيرات؛ في مقدمتها موقف الدول الكبرى خصوصا دول الجوار.، إضافة إلى أن المجتمع الدولي يعزز جهود الوساطة ويتمسك بالقرار الأممي 2513، الذي يشدد على أنه «لا يوجد حل عسكري للقضية الأفغانية».

لكن الواقع على أرض الميدان أن الحركة وسعت سيطرتها على مناطق عدة في البلاد، وتفيد التقديرات بأن «طالبان» تسيطر على نحو 85% من مساحة أفغانستان، خصوصا بعد إعلانها السيطرة على عدد من المديريات ومراكز التفتيش في ولاية باميان، وولايات قندهار وهلمند ونمروز، والسعي للاقتراب من العاصمة كابول.

هذه التطورات الميدانية دفعت المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية إلى التحذير من طموح طالبان في الوصول إلى الحكم، إلا أن مسألة سيطرتها على كامل الأراضي الأفغانية ليس أمرا حتميا أو مؤكدا. ويتساءل مراقب: هل ستترك واشنطن الحركة المتشددة تهيمن على الدولة الأفغانية؟

والإجابة جاءت على لسان المتحدث باسم البنتاغون، الذي أكد أن القيادة المركزية تملك صلاحيات شن الغارات الجوية ضد الحركة.

«طالبان» في الوقت الحالي وعبر مناوراتها تمزج بين إستراتيجية شن الهجمات على القوات الحكومية ونقاط تمركزها بشكل مكثف، والسعي إلى طمأنة الدول الإقليمية والقوى الدولية حتى لا تعود للتوافق على كبح الحركة ومنعها من متابعة تنفيذ مخططاتها.

ومن ثم فإن معارك المدن الكبرى مثل قندهار وكابول ستكون بمثابة مؤشر على إمكانية تعاطي المجتمع الدولي مع الحركة، لكن قدرة الحركة على الاستقطاب مستقبلا باتت أمرا مشكوكا فيه تماما، لتواضع قدراتها حتى لو سيطرت على كامل أفغانستان.