بالإجماع، أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية، الثلاثاء، قرارا يحث الدولة على وجوب تجنيد اليهود المتشددين دينيا “الحريديم” في الجيش، وهي قضية خلافية منذ سنوات.
هذا القرار “التاريخي” وفق محللين، ربما لن يؤدي فورا إلى سقوط الائتلاف الحكومي برئاسة بنيامين نتنياهو، ولكنه قد يمثل بداية السقوط، في ظل خلافات وانقسات عديدة.
ويعتمد بقاء حكومة نتنياهو على دعم الحزبين الدينيين “شاس” و”يهدوت هتوراه”، وهما المتضرران الأساسيان من قرار المحكمة.
وفيما تعارض الأحزاب الدينية تجنيد “الحريديم”، فإن الأحزاب العلمانية والقومية تؤيّده؛ ما تسبب لنتنياهو بإشكالية تهدد ائتلافه الحاكم.
ومنذ شهور، يعاني الجيش الإسرائيلي من نقص في عدد الجنود؛ بسبب حربه المتواصلة في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وعملياته المكثفة بالضفة الغربية المحتلة، ومواجهاته مع “حزب الله” عبر حدود لبنان.
ويشكل المتدينون اليهود نحو 13 بالمئة من عدد سكان إسرائيل البالغ قرابة 9.9 ملايين نسمة، وهم لا يخدمون في الجيش، ويقولون إنهم يكرّسون حياتهم لدراسة التوراة للحفاظ على هوية شعب إسرائيل.
ويُلزم القانون كل إسرائيلي وإسرائيلية فوق 18 عاما بالخدمة العسكرية، ولطالما أثار استثناء “الحريديم” من الخدمة جدلا طوال العقود الماضية.
سلطة الحاخامات
ووفق المحلل يصحيفة “هآرتس” العبرية آنشيل فيفر، الأربعاء، فإن “حكم المحكمة العليا لن يُسقط ائتلاف نتنياهو؛ لأنه هو وشركاؤه المتدينون يريدون تجنب ذلك”.
وقال فيفر في مقال إن “حكم المحكمة بتجنيد طلاب المدارس الدينية ووقف التمويل الحكومي للمدارس التي يرفض طلابها الانضمام للجيش، سيُبقي في الواقع الأحزاب الدينية في الائتلاف الحكومي حاليا”.
ومشيرا إلى احتمال عدم تطبيق القرار القضائي، أضاف أن “القضاة يضعون معايير واضحة جدا، لكنهم ليس هم مَن ينفذونها”.
وتابع: “الحاخامات الحريديم يتفقون على شيء واحد، وهو أنهم متحدون في كراهيتهم للمحكمة العليا ومصممون على إثبات أن حكمها ليس له سلطة عليهم، وسيتأكدون من أن طلابهم لن يخدموا وطنهم”.
ورأى أن “السبيل لذلك على الأقل حاليا، هو محاولة تأخير التنفيذ عبر الضغط على الوزراء والمسؤولين المعنيين داخل الحكومة، وهم يحظون بدعم نتنياهو في ذلك”.
ويضغط نتنياهو كي يقر الكنيست مشروع قانون خاص بتجنيد “الحريديم” يرضي الأحزاب الدينية، لكنه لا يرضي العديد من النواب، بمَن فيهم من حزبه “الليكود” (يمين).
وفي وقت سابق من يونيو/ حزيران الجاري تم إقرار مشروع القانون بالقراءة الأولى، ولكن ما زال يتعين إقراره بقراءتين ثانية وثالثة ليصبح قانونا ناجزا.
وقال فيفر: “يعرف نتنياهو جيدا أنه لا توجد فرصة لتمرير قانون يتوافق مع معايير المحكمة العليا وتوقعات الشعب الإسرائيلي وتقبله الأحزاب الحريدية وحاخاماتها”.
واستدرك: “لكن وعود نتنياهو بشأن الحرب والتشريع هي مجرد تدريبات لكسب الوقت وإطالة البقاء السياسي. وهذا بالضبط ما يريده الحريديم”.
حالة ذعر
وحسب المحلل بصحيفة “يديعوت أحرونوت” نداف إيال، في مقال الأربعاء، فإن قرار المحكمة “أدخل نتنياهو في حالة كاملة من الذعر”.
واستدرك: “هذا لا يعني أن الحكومة ستسقط، ما الذي ينتظر اليهود المتطرفين بالضبط بعد الانتخابات، باستثناء الخيار الواقعي المتمثل في تشكيل حكومة وحدة بدونهم؟”.
وأردف: “في المقابل مع نتنياهو، الحريديم أكثر ارتياحا حتى يقول أحد الحاخامات لينكسر وينهار البناء كله. نحن لسنا بعيدين عن ذلك” أي احتمال سقوط الحكومة.
إيال زاد: “كما كتب عدة مرات منذ 7 أكتوبر، فإن عصر الخداع انتهى، ويوضح الحكم أنه ليس من الممكن الاحتفاظ بجيش كبير لحمايتنا، في ظل تهرب قطاعات متزايدة من الشعب”، أي عدم خدمة المتدينين بالجيش.
غضب على الأرض
أما الصحفي الإسرائيلي المتدين (من الحريديم) يسرائيل كوهين فاعتبر الأربعاء أن “الشارع الحريدي سيقرر مصير الحكومة”.
وقال كوهين لإذاعة 103FM المحلية: “منذ قرار المحكمة العليا، نرى أن هناك نوعا من النقاش، تبنى أعضاء الكنيست الأرثوذكس المتطرفون موقفا أكثر اعتدالا”.
وتابع: “لم يتوقع الجمهور الحريدي قرار المحكمة العليا.. وحاليا الحريديم يتساءلون: ما البديل (في حال سقوط الحكومة)؟ وهو لن يكون أفضل”.
كوهين أردف: “يكفي حاخام واحد أو عدد قليل من الحاخامات لقيادة خطوة أكثر راديكالية، أي غضب على الأرض من شأنه أن يسبب ضغطا شعبيا وعندها يمكننا أن ندخل في ديناميكية تفكيك الحكومة”.
وترجح استطلاعات الرأي العام في إسرائيل أنه في حال إجراء انتخابات مبكرة، فلن يتمكن نتنياهو من تشكيل حكومة.
ومنذ 2017 فشلت الحكومات المتعاقبة في التوصل إلى قانون توافقي بشأن تجنيد الحريديم، بعد أن ألغت المحكمة العليا قانونا شُرّع عام 2015 وقضى بإعفائهم من الخدمة العسكرية، معتبرة أن الإعفاء يمسّ بـ”مبدأ المساواة”.
ومنذ ذلك الحين، دأب الكنيست على تمديد إعفائهم من الخدمة العسكرية، ومع نهاية مارس/ آذار الماضي انتهى سريان أمر أصدرته حكومة نتنياهو بتأجيل تطبيق التجنيد الإلزامي للحريديم.