في خطابه الأخير في الكونغرس، تجلى غرور بنيامين نتنياهو وعنجهيته بأوضح صورة، حيث دخل القاعة وسط تصفيق حاد، وهي اللحظة التي كان يسعى لتحقيقها لتعزيز رواياته الكاذبة وتثبيت صورته كرمز للحضارة في مواجهة ما وصفه بالهمجية. هذا الاستقبال الحار لم يكن مجرد تأييد عابر، بل كان جزءًا من استراتيجيته لاستعراض نفسه كزعيم قوي لدى حلفاءه المتطرفين، وقائد لا يُقهر، بينما كان هدفه الحقيقي تمرير رؤيته لليوم التالي للحرب في غزة من خلال فرض إدارة مدنية وسيطرة أمنية، وكأنه حقق الانتصار وهو ليس كذلك.
استغل نتنياهو هذا الخطاب ليس فقط لتقديم نفسه كمدافع عن الحضارة، بل أيضًا لتمرير خططه المستقبلية في غزة، والتي تشمل استمرار الحرب وتعميق الأزمات الإنسانية. فبينما كان يزعم أن الصراع هو معركة بين الخير والشر، وتجاهل تمامًا حجم الدمار والمعاناة التي يعاني منها الفلسطينيون. فقد خلفت سياساته الإجرامية مقتل أكثر من 40.000 شخصً، منهم 18,000 طفل، فضلاً عن تدمير أكثر من 90% من البيوت والبنية التحتية وتهجير وتجويع أكثر من 2 مليون مواطن فلسطيني .
في محاولته لتبرير استمرار الحرب، أكد نتنياهو على عدم نيته بوقف العدوان، مع الإصرار على تحقيق “نصر كامل” على حماس، وهو ما يعكس تجاهله التام لنداءات المجتمع الدولي والمخاوف الإنسانية. بدلاً من تقديم مبادرة لوقف إطلاق النار أو حلول سلمية لاستعادة الاسرى، استمر في التأكيد على عزيمته لتحقيق أهدافه، مما يعكس استهتاره الكامل بالواقع المؤلم والمعاناة الإنسانية الى جانب ازماته الداخلية.
لم يكتفِ نتنياهو بمستوى الاستعراض هذا، بل أضاف إلى غروره محاولة استفزازية لتقزيم المعارضين في العالم، حيث اتهم المتظاهرين ضد الحرب بأنهم جزء من مؤامرة تقودها إيران وتدعم حماس، في محاولة لتصوير معارضيه وكأنهم أعداء للحضارة. في الحقيقة، هؤلاء المتظاهرون كانوا يعبرون عن استنكار واسع النطاق للسياسات الإسرائيلية، التي تسببت في أزمة إنسانية غير مسبوقة. وأحد أبرز عناصر هذا الاستعراض هو تأكيد نتنياهو على أن الحرب على غزة هي جزء من صراع حضاري، بينما يتجاهل تمامًا الانتقادات الدولية، بما في ذلك من قبل محكمة العدل الدولية، التي اعتبرت تصرفات إسرائيل غير قانونية وغير شرعية. بينما يسعى نتنياهو لتسويق نفسه كمدافع عن الحق، فإن واقع الحرب يتناقض مع هذا التصور ويظهر بوضوح الازدواجية في المعايير التي يتبعها.
كما تجلى في خطابه تجاهله للحقائق الصارخة، بما في ذلك هذا الاحتلال الأطول في التاريخ والرفض الكامل للاعتراف بالضرر الكبير الذي لحق بالشعب الفلسطيني. كان من الواضح أن هدفه تحويل الأنظار عن فشله في معالجة قضايا العدوان والفساد التي تلاحقه، محاولاً تعويض ضعفه الداخلي بمزيد من الغطرسة والعنجهية. خطابه لم يكن سوى مسرحية سياسية تهدف إلى تمرير أجندته وتجاهل حجم الدمار الذي خلفته سياساته، مما يعزز الحاجة إلى محاسبة حقيقية له كمجرم حرب.
هل يعتقد نتنياهو أن العالم بهذه السذاجة لتصديق كل هذه الأكاذيب؟ أم أنه يستخف بعقول الجميع محاولاً فرض رؤيته المضللة وتبرير استمرار دمار غزة؟ إن الحقيقة على الأرض تكشف عن حجم الكارثة الإنسانية، بينما تسعى تصريحات نتنياهو فقط لتثبيت صورة زائفة تروج لها الاستراتيجية الإسرائيلية في ظل أزمة إنسانية مستمرة.
والأهم من ذلك أنه لم يترك اي رافض لسياسته الا واتهمه بمعاداة السامية، حتى ذهب أكثر من ذلك حين اتهم المتظاهرين في الشوارع الامريكية بأنهم ممولين من ايران، وهاجم الجامعات الامريكية التي سمحت للطلاب بالتعبير عن آرائهم، والأغرب من ذلك، صفق له من كان بالقاعة، وكأنه رئيسا للولايات المتحدة.
عارا على هؤلاء من يدعون بالقيم الديمقراطية، أن يسمحوا لمجرم حرب، يقودهم ويقود المنطقة الى حمام من الدماء من اجل مصالحة الفردية، وهذا ما أكد عليه العديد من الشارع الاسرائيلي. ستبقى هذه الجلسة وصمة عار على الكونغرس الامريكي وعلى كل من ساهم في التحضير لهذا اللقاء.