لِمَ الاستغراب من خطاب نتنياهو؟ وماذا يعني الرئيس بوتين أن المنطقة ذاهبة للتصعيد؟

كتب د. عبد الحميد فجر سلوم:

ضجّة إعلامية كبيرة رافقت خطاب نتنياهو أمام الكونغرس الأمريكي يوم الأربعاء 24 تموز / يوليو 2024 . تعددت الآراء والتحليلات العربية والإقليمية والدولية، وحتى الأمريكية..
خطاب نتنياهو في الكونغرس الأمريكي يشبه كل خطاباته الثلاث السابقة أمام المشرّعين الأمريكان، مع اختلاف الظرف فقط الذي تمرُّ به إسرائيل والمنطقة، والمواضيع أو العناوين الساخنة المطروحة..
فاليوم هناك حربا في غزة ما زالت مُستمرة منذ السابع من تشرين أول / أكتوبر 2023 وكانت لها مضاعفاتها على كل المنطقة، وهذا كان سبب هذا الاهتمام العربي والعالمي بخطاب نتنياهو، الذي كان العالم ينتظر منهُ قرارا بوقف إطلاق النار، وصفقة الأسرى، وهذا لم يحصل..

أما حقيقة الأمر فنتنياهو هو نتنياهو بالأمس واليوم.. وموقف الولايات المتحدة الداعم بقوة لإسرائيل هو ذاتهُ بالأمس واليوم، وإن اختلفت بعض وجهات النظر إزاء بعض المسائل فيما يتعلق بالحرب في غزّة اليوم والتعامُل مع المدنيين.. ولكن كل الإدارات الأمريكية سواء الديمقراطية أم الجمهورية هي داعمة بقوة لإسرائيل..
هل سمعتم رئيس أمريكي ديمقراطي أم جمهوري لم يؤكِّد دوما أنه مُلتزم بأمن إسرائيل وحمايتها والدفاع عنها وتزويدها بأحدث الأسلحة، حتى لو كانت هناك اختلافات ببعض وجهات النظر؟.
**
نتنياهو تحدّث بذات العنجهية المألوفة عنه في الكونغرس الأمريكي، وأفضل تعبيرٍ عن ذلك جاء على لسان صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية في نفس اليوم، حينما ذكرت أن بنيامين نتنياهو تحدّث وكأنهُ يُلقي خطاب حالة الاتحاد، الذي عادةً ما يُلقيه الرئيس الأمريكي كل عام في جلسة مجلسي النواب والشيوخ.
نتنياهو معروف عنهُ أنه شخص انتهازي جدا ويسير حيث تقتضي مصالحهُ الشخصية. فحينما يرى الحرب تخدم مصلحتهُ يسير نحو الحرب، وحينما يشعر أن التهدئة تخدم مصلحتهُ يسير نحو التهدئة.
استمرار الحرب في غزة اليوم يخدم مصلحتهُ، إذ سمحت له الحرب بتجنُّب إجراء انتخابات برلمانية ربّما كان سيخسرها في هذه الظروف، وأعطتهُ الأمل في الإفلات من المحاكمة بتُهمٍ سابقة ولاحقة. وجعلتهُ يُفاخر أمام حزبهِ ومؤيديهِ أنه دمّر قطاع غزة، وشرّد نحو مليون ونصف مليون فلسطيني وقتل حوالي أربعين ألفا، عدا عن حوالي تسعين ألف مُصاب..
هذا ما يُفاخر به نتنياهو، بهذه الجرائم غير المسبوقة في تاريخ العالم وبأحدث التقنيات والأسلحة العسكرية. وهذا يزيدُ من شعبيته لدى أقصى اليمين الإسرائيلي.
**
أما موقف نتنياهو من الحل في فلسطين فقد أكّدهُ منذ استلامه للسلطة في خطابهِ في حزيران 2009 في جامعة (بار إيلان) أو ما يُعرفُ بِوكرِ الأفاعي، التي يتبع لها مركز بيغن ــ السادات للدراسات الإستراتيجية والذي يعتمد عليه المتطرفون الإسرائيليون، واليمين الإسرائيلي في رسمِ سياساتهم. فهذا المركز هو المُنظِّر لهم..
ورؤية نتنياهو للحل لخّصها منذئذٍ بما يلي:
يتوطّن اللاجئون خارج فلسطين، والقدس عاصمة أبدية، وإسرائيل دولة يهودية وعليهم الاعتراف بها، ويسمح بكيان فلسطيني(يُسمِّيه دولة) منزوع السلاح، فلا جيشا، ولا سيادة على الأجواء، ولا أحلافا أو اتفاقات عسكرية لهذا الكيان المولود، وممنوع دخول الأسلحة إليه، ويخضع لمراقبة إسرائيلية وثيقة، وحتى لا إزالة للمستوطنات..
هذه هي رؤية نتنياهو.. ولذلك لِمَ الاستغراب من خطابهِ الأخير أمام الكونغرس حينما تجاهل الحديث عن أي حل للقضية الفلسطينية؟.
**
نتنياهو كان صريحا حينما تحدّث عن (الأصدقاء العرب)  والشركاء في المنطقة وكأنهم مع إسرائيل وأمريكا حِلفا واحدا ضد محور المقاومة وأنهم شركاء جميعا في الانتصار في غزة، وعن تحويل الاتفاقات الإبراهيمية إلى تحالف إبراهيمي، مما يعني إحياء فكرة الناتو العربي. وربما هو لا يتحدّث من فراغ. فلعلّ الكثير يتذكرون تصريح ولي عهد مملكة البحرين (العظمى) في لقاء “حوار المنامة” في 18 تشرين ثاني 2023 حينما وصف عملية طوفان الأقصى بـ (البربرية)..
وعودة لِما كتبهَ الصحفي البريطاني الشهير ديفيد هيرست في موقع هافنغتون بوست في 21 تموز / يوليو 2014 خلال العدوان الإسرائيلي على غزة وقتها، حينما قال:
هناك أطراف لها مصلحة بإنهاء حُكم حماس والمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وأشار إلى الولايات المتحدة وعدة دول عربية فاعلة في المنطقة بالإسم.. والمقال على غوغل..
**
ومن ناحيةٍ أخرى فإن تصريح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال استقبالهِ الرئيس بشار الأسد في موسكو يوم الأربعاء 24 تموز / يوليو، في نفس يوم خطاب نتنياهو في الكونغرس، من أن (هناك، للأسف، اتِّجاه نحو التصعيد في المنطقة وهذا ينطبق أيضا على سورية بشكل مباشر) فهذا التصريح ليس من فراغ..
فالرئيس بوتين رئيس دولة عُظمى ولاعب أساس على كل الساحات الدولية، ويعرف ماذا يُطبَخ في دوائر صُنع القرار الأمريكية، والإسرائيلية..
فهل هذا التصعيد الذي أشار إليه الرئيس بوتين سيكون باتجاه لبنان وسورية وإيران أم غير ذلك؟.
بطبيعة الحال إنْ حصل تصعيد إسرائيلي باتجاه لبنان وسورية فهذا قد يدفع إيران للتدخل المباشر، وإن تدخلت إيران فقد تتدخل أمريكا بشكل مباشر.. وهذا ربما يجرُّ روسيا للتدخل فلها جيش وقواعد في سورية، وقد يجرُّ الصين للتدخل.. هكذا يمكن أن نتصور السيناريو السيء الذي لا نريده، في حال ذهبت الأمور في المنطقة نحو التصعيد وشملَ ذلك سورية.
**
إذا المنطقة ليست ذاهبة للاستقرار كما سبقَ وصرّح وزير خارجية إيران الراحل (حسين أمر عبد اللهيان) خلال زيارتهِ لبيروت ودمشق يومي 10 و 11 شباط 2024، وصرّح في بيروت قائلا: (الانطباع حاليا يشير إلى أن المنطقة تسير نحو الاستقرار والأمن والتوصل إلى الحل السياسي ونهاية الحرب في غزّة، ما يعني نهاية عمل نتنياهو وحكومته) . وحقيقةً استغربتُ وقتها ذاك التصريح، وكتبتُ مقالا حول ذلك في صحيفة رأي اليوم اللندنية، وصحيفة الحوار المتمدن، ومما جاء فيه:

(إنها أمنيةُ كافة شعوب المنطقة، أن تسير المنطقة نحو الاستقرار والأمن والتوصل إلى حل سياسي في غزة وفلسطين وأن تستجيب إسرائيل لصوت العقل وتقتنع أن الحرب ليست الخيار الصحيح لحل مشاكل المنطقة، وإنما الحل هو بالتوجُّه نحو السلام، وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا بعد أن تنسحب إسرائيل من كافة الأراضي العربية التي احتلتها عام 1967 بما فيها الجولان السوري، وتعترف بقيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 ، ولكن متى كان في إسرائيل صوتٌ للعقل؟ كل ذلك ليس بوارد تفكير نتنياهو، ولا قادةُ أحزاب إسرائيل، حتى غير المُصنّفة متطرفة. فجميعهم يريدون فرض الاستسلام على الفلسطينيين والعرب، تحت عنوان السلام، والخرافات التوراتية.

والمشكلة ليست مشكلة غزة فقط، بل غزّة هي جزءا من المشكلة الأساس وهي القضية الفلسطينية، وهذه ليست مشكلة دينية أو فقط مَحض إنسانية، إنها قبل كل شيء مشكلة سياسية، وحقوق سياسية، حتى وإن كان الصهاينة قد سيّسوا وأدلَجوا وصَهينوا الديانة اليهودية، واعتبروا المشكلة دينية وتوراتية. وحتى لو افترضنا جدلا أن السلطة الفلسطينية توصّلت مع إسرائيل إلى حلٍّ ما، فما هو مصير الجولان؟ وما هو مصير التواجد والاحتلال الأمريكي العسكري في العراق وسورية، فضلا عن الاحتلال التركي؟).

إذا هذا كان مقطعا مما كتبتهُ في مقالي حينها، وها هو الزمن يُثبِت ذلك..
**
وأخيرا وقبل أن نسأل ماذا يريد نتنياهو، علينا حقيقة أن نسال ماذا يريد العرب؟.
نتنياهو واضح وصريح ومعروف ماذا يريد، ولكن هل العرب هُم كذلك؟.
وزير مفوض دبلوماسي سوري سابق