رغم حراجة اللحظة ومشاعر الغضب.. على محور المقاومة ان لا ينجر للحرب..

الواضح اننا في لحظة حرجة في عموم المنطقة تعج بالأسئلة حول الرد الإيراني ورد حزب الله ومديات هذه الردود وحدودها ونطاقها، والاهم ان كانت سوف تشعل الحرب الكبرى في عموم المنطقة، وهي حرب اذا اندلعت ستكون مصيرية، تتجاوز الثأر والانتقام الى اهداف تؤدي لتغير وجه منطقة الشرق الأوسط ربما في المئة العام المقبلة. واسئلة أخرى من قبيل هل قرار نتنياهو اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في قلب طهران، واغتيال القائد فؤاد شكر في قلب الضاحية هو لجر المنطقة لحرب مفتوحة. وهل إسرائيل جاهزة لهذه الحرب بعد عشرة اشهر من العجز العسكري امام قوة محدودة الإمكانات العسكرية في قطاع غزة ؟ ام انها ستعتمد بالكامل على الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين في خوض هذه الحرب وتحقيق اهداف نتنياهو ؟ وهل ستخوض الولايات المتحدة حربا جديدة في الشرق الأوسط بعد ان بنت استراتيجيتها في العالم على عدم التورط مرة أخرى في المنطقة، وان الأولويات الاستراتيجية تفرض التركز على مناطق أخرى اكثر التصاقا بالمصالح الامريكية في تنافس عالمي مع الصين أولا وروسيا ثانيا. أسئلة كثيرة.

ولكن بعيدا عن تلك التساؤلات الملحة في هذه اللحظة الحرجة، الإجابة عليها قد يحمل وجهات نظر مختلفة وتشخيص وتقييم قابل للنقاش، لابد من تثبيت بعض النقاط الهامة من وجهة نظر شخصية ونحن نتحدث قبل ساعات من الرد العسكري سواء الإيراني او اللبناني.
النقطة الأولى المتعلقة بما نسمعه ونقرأه من جزم ان ردود ايران وحزب الله ستفتح على المواجهة الشاملة والحرب المفتوحة، واننا نقترب من لحظة الحرب الكبرى، اعتقد ان هذا التحليل يعتمد على قراءة وتيرة الميدان وحدة التصريحات وبيئة التصعيد الغير مسبوق، وتجاوز إسرائيل الخطوط الحمراء ووضعها جبهات المقاومة بموقف صعب لا يمكن تجاوزه الا برد اقوى وبتجاوز مماثل للخطوط الحمراء وبالتالي الذهاب نحو الاشتباك الكبير، هذه عوامل ومعطيات كلها تدلل على شيء واحد هو الحرب. لكن بالمقابل لا يمكن بناء تحليل متماسك واستشراف سيناريوهات ومآلات التصعيد بالاعتماد فقط على وتيرة الميدان العسكري، لابد من القاء نظرة نحو المحيط القريب والبعيد، حاجة الأطراف المتصارعة و مصلحتها في الحرب من عدمه، او حاجة احد الأطراف للحرب، وعدم حاجة الطرف الاخر لها لانها لا تصب في استراتيجيته في الصراع، مصلحة الولايات المتحدة في خوض الحرب، توقيت الحرب ربطا بمواعيد واستحقاقات وظروف. انطلاقا من كل ذلك ارجح اننا ورغم سخونة الأجواء والتصعيد الخارج عن المألوف ما زالنا بعيدين عن الحرب الشاملة الإقليمية.
والنقطة الثانية ومن وجهة نظر شخصية يمكن ان ارجح ان الحرب الشاملة المفتوحة الان في هذا التوقيت ليس في مصلحة محور المقاومة، وعلى محور المقاومة ان يتجنبها قدر الإمكان، وان لا يقع فيها، لان محور المقاومة غير مضطر لخوض حرب تنقذ نتنياهو من ورطته الداخلية حيث ترتفع لهجة النقمة لدى المستويات السياسية والعسكرية ولدى الجمهور الإسرائيلي على حد سواء بسبب فشل نتنياهو في تحقيق اهداف الحرب في غزة، وعدم قدرته على استعادة الاسرى، وعدم قدرته على ابرام صفقة تبادل ووقف الحرب بسبب المتطرفين القابضين على رقبته في الحكومة، ولان وقف الحرب تعني نهاية مستقبله السياسي والشخصي أيضا. من اجل ذلك يسعى نتنياهو لجر الولايات المتحدة الى حرب تحقق له الأهداف وتزيل المخاطر في الشمال وخطر ايران، وسيكون متحللا من الضغوط الدولية التي تحمله مسؤولية افشال أي اتفاق لوقف النار أي يقضي على مسار التفاوض نهائيا، ويضمن بقاءه في السلطة ويعزز مكانته مع رهط من المتطرفين المجرمين حوله، ويجمد كل الضغوط الداخلية بما فيها من أهالي الاسرى والاهم يوقف حرب الاستنزاف التي ارهقته وارهقت جيشه في غزة وعلى جبهات الاسناد.
مصلحة محور المقاومة تكمن في الاستمرار في حرب الاستنزاف، والكسب في بالنقاط، وإبقاء الحملة الدولية العالمية التي تجرم إسرائيل وتناضل من اجل وقف الحرب. مصلحة واولوية محور المقاومة يجب ان تكون وقف الحرب في غزة دون ان يحقق نتنياهو الأهداف منها، هذه هي الهزيمة الاستراتيجية الأهم الان.
التعقل والحكمة التي تحدث عنها الأمين العام لحزب الله في خطابه الأخير، تجعلنا نطمأن ان محور المقاومة قد يكون قرأ جيدا الحسابات.
ايران سوف ترد عسكريا على جريمة اغتيال إسماعيل هنية، وهذا مؤكد ومحسوم، لكن يجب ان لا يفتح هذا الرد حربا شاملة للاسباب التي ذكرناها انفا.
لكن اذا ارادت ايران ان ترد ردا استراتيجيا يوجع إسرائيل والولايات المتحدة ويجعلهما نادمتين على العدوان دون اطلاق طلقة واحدة، فعلى ايران التحول نحو السلاح النووي، وتحويل برنامجها النووي من مدني الى عسكري وبأسرع وقت ممكن، هذا اعظم واكبر واهم واكثر تأثيرا وفعالية واستدامة من أي رد صاروخي مباشر على إسرائيل. نعلم ان لدى ايران فتوى تحرم السلاح النووي، وهي فتوى مانعة للتحول العسكري، لكن هذه الفتوى يمكن ان يصدر بديل لها وفق الظروف الجديدة والمعطيات الراهنة. هذا الامر بيد صناع القرار في ايران وهم الاقدر على تقدير الموقف.
حزب الله كذلك سوف يرد، لكن نعتقد ان قيادة الحزب تبحث عن رد فعال وكبير ولكن لا يعطي لنتنياهو فرصة جر الأمور الى حرب مفتوحة. المشاعر والغضب والرغبة بالثأر شيء، وحسابات السياسية والميدان ودراسة الأهداف الاستراتيجية شيء اخر تماما.
لا يجب الالتفات الى الأصوات النشاز التي تشمت او تهزأ او تلك الشخصيات التي تطعج جلستها على الشاشات او على وسائل التواصل وتقول اين الرد وتأخر الرد وما هذا الرد وهذه مسرحية وأين محور المقاومة. هذا هراء بلا معنى، وثرثرة لا قيمة لها. الاستمرار في المعركة ودراسة الحسابات، وحسن تقدير الموقف لانزال هزيمة استراتيجية تاريخية بإسرائيل وتحقيق الأهداف هو ما يجب ان تكون له الأولوية وتبذل الجهود الصادقة من اجله.
كاتب واعلامي