عشر قراءات خاطئة للقيادة الإسرائيلية..

كتب د. فايز أبو شمالة:

تعودت إسرائيل على المبادرة بالحرب ضد الجيوش العربية، وتعودت إسرائيل أن تنتصر في كل حروبها مع الأنظمة العربية، بما في ذلك الانتصار السياسي يوم وقعت على اتفاقية كامب ديفيد بعد سنوات من حرب 1973، وتعودت إسرائيل أن تنقل المعارك إلى داخل البلاد العربية، وظلت الجبهة الداخلية في إسرائيل بمنأى عن الحرب، وتمارس حياتها الطبيعة دون أن تتألم من قذيفة عربية واحدة، ولم يحدث أن حاربت الجيوش العربية على الأرض التي اغتصبها الصهاينة منذ سنة 1948، ولو لمرة واحدة، وتعودت إسرائيل على حسم المعارك مع الجيوش العربية في مدة زمنية قصيرة، ولم تسمح بإطالة زمن الحرب لأكثر من أيام، او أسابيع على أبعد تقدير، لتكون قد حسمت خلالها المعركة.
تلك الانتصارات الإسرائيلية السهلة في المعارك، وما نجم عنها من نتائج ميدانية، أعطت العدو الإسرائيلي الشعور بالأمن والاستقرار، والاستقواء بالقرار، والاستبداد في المواقف، ولم يخطر في بال القيادة الإسرائيلية للحظة أنها ستصطدم يوماً بمعركة طوفان الأقصى، لتنقلب معادلة الصراع، وتفرض على المنطقة واقعاً جديداً.
معركة طوفان الأقصى لم تدق الأجراس أمام القيادة الإسرائيلية فحسب، بل فرضت على المجتمع الإسرائيلي نفسه أن يراجع الكثير من حساباته السياسية، وقناعاته الاستراتيجية، والانتباه إلى الخطايا العشر التي وقعت بها قياداته السياسية على مختلف مشاربها، سواء كانت يمينيه متطرفة، أو يمينيه أكثر تطرفاً، فمعركة طوفان الأقصى فرضت على الإسرائيليين مراجعة حساباتهم، وقراءة أخطائهم العشرة التالية:
1ـ حسبت إسرائيل أن الشعب الفلسطيني سينسى أرضه في فلسطين، وسيتخلى مع الزمن عن حقه في العودة إلى وطنه، ونسوا أن الشعب الفلسطيني يعتبر الزيادة السكانية مقاومة، وأن الزيادة الديمغرافية جزء من حرب الوجود، التي لم تتوقف على أرض فلسطين، منذ وطئت أول قدم صهيونية على هذه الأرض، وقد جاءت معركة طوفان الأقصى، لتفتح الجرح الفلسطيني على رياح التغيير، وتفضح الإرهاب الإسرائيلي غير المحدود.

2ـ عمدت السياسة الإسرائيلية إلى إذلال الشعب الفلسطيني، والتنكر لحقوقه، بحيث لم تخل السجون الإسرائيلية من 5 آلاف أسير فلسطيني على مدار الوقت، ولم يخل شهر من أشهر السنة دون شهداء أو عدد من الجرحى  برصاص المحتلين، ولم تنجُ قرية أو مدينة أو مخيم من الاقتحامات، والاعتداءات، ونسف البيوت، والحصار، وكأن الاحتلال قدر الفلسطينيين، وعليهم القبول بالعيش تحت أحذية المحتلين دون أي احتجاج أو ثوة، والعربي الطيب من وجهة نظر الإسرائيليين، هو العربي الميت، وما لا يأتي بالقوة، فسيأتي بمزيد من القوة، فجاءت معركة طوفان الأقصى لتقول للغطرسة الإسرائيلية كفى، نحن الشعب الفلسطيني قادر على المواجهة، ونمتلك إرادة القتال
3ـ تجاهل العدو الإسرائيلي الحقوق السياسية للشعب الفلسطيني، بل تجاهل العدو الحقوق الإنسانية والمدنية، حتى صار نصيب الإسرائيلي 70 لتر مياه يومياً، بينما اقتصر نصيب الفلسطيني على 7 لترات من المياه يومياً فقط، هذا شكل من أشكال التمايز الكثيرة، بما في ذلك تدني نصيب الفرد الفلسطيني من الأرض والهواء والاقتصاد والسياحة، ومضاعفة نصيب الفرد الإسرائيلي، وعلى سبيل المثل، فمستوطنة ” كفار أشكلون” شمال قطاع غزة، يبلغ عدد سكانها 2400 صهيوني، تقام على قطعة أرض تعادل كل مساحة قطاع غزة، الذي يبلغ عدد سكانه 2.4 مليون إنسان، لذا جاءت معركة طوفان الأقصى لتقول للعالم: يقاتل الفلسطيني من أجل الحياة، وبحثاً عن حقوقه السياسية والإنسانية.
4ـ حسب العدو الإسرائيلي أن العالم سيظل أصم، وسيظل مخدوعاً بأكذوبة المحرقة، واللاسامية، ليبرر العدو جرائمه بحق الشعب الفلسطيني، وقد نجح العدو حتى زمن قريب، في تشويه نضال لشعب الفلسطيني، ونجح في إضفاء الشرعية على مجازر الجيش الإسرائيلي، معتمداً على الأكذوبة الإعلامية، ومعتمداً على الدعم الأمريكي والغربي غير المحدود، فجاءت معركة طوفان الأقصى لتضع العالم أمام الحقائق، فالذي يدعي المظلومية هو الظالم، والذي استعرض دماءه النازفة عبر التاريخ، هو الذي يمسك بسيف الإرهاب ليذبح الأطفال والنساء والمدنيين في غزة، وهذا الذي حرك عواصم العالم في مظاهرات حاشدة ضد الإرهاب الصهيوني.
5ـ عمل العدو الإسرائيلي على مدار سنوات على تسويق فكرة السلام، وأن الصهاينة عشاق للتعايش السلمي مع العرب، وأن حل القضية الفلسطينية، يمر عبر بوابة التطبيع مع الدول العربية، وأوهمت المطبعين بأن مصالحهم مرتبطة بإسرائيل، وأن أمنهم مرتبط بالأمن الإسرائيلي، ليكتشف العدو ضعفه بعد معركة طوفان الأقصى، ولتكتشف الأنظمة المطبعة مع إسرائيل، أن إسرائيل نفسها بحاجة إلى الحماية، وعلى الأنظمة مسايرة إرادة الجماهير العربية، تلك الجماهير التي ترفض التطبيع، وترفض العلاقة مع عدو الشعوب.
6ـ وظفت إسرائيل المال السياسي من أجل شراء النفوس، والسيطرة على القادة، وتقديم نفسها إعلامياً كجزء من الشرق، وأنها مخلصة ووفية لأصدقائها، ونسيت أن الذي يُشترى بالمال، سرعان ما ينهار، وأن الشعوب مخلصة لأوطانها، ولا يمكن السيطرة عليها من خلال النخبة، التي ترعاها إسرائيل، ولا يمكن تجهليها من خلال وسائل الإعلام المستأجرة، والتي تحاول غزو العقل العربي، فجاءت معركة طوفان الأقصى لتفضح الأكذوبة، وتطرح الحقائق مجردة.
7ـ معركة طوفان الأقصى قضت على مقولة رئيس وزراء بريطانيا اليهودي بنيامين دزرائيلي، الذي زار القدس في القرن التاسع عشر، وقال: أرض بلا شعب، لشعبٍ بلا أرض، اليوم يدرك القاصي والداني أن شعب فلسطيني يملأ السهل والوعر، وأنه شعب حي فاعل ونشط، ويرفض الذوبان، ويصر على البقاء في دائرة الفعل اليومي المؤثر.
8ـ زعمت إسرائيل أنها نجحت في عزل الشعب الفلسطيني عن محيطة العربي، وحسبت أن الأمة العربية تخلت عن فلسطين، فجاءت معركة طوفان الأقصى لتعبر بالقضية الفلسطينية من مسألة نزاع حدود بين الإسرائيليين والفلسطينيين إلى حقيقة الصراع بين أمة عربية ناهضة ترفض المهانة، وتقاتل عدوها من حدود لبنان شمالاً وحتى العراق، وتعبر البحار حتى تصل إلى اليمن.
9ـ حسبت إسرائيل أن القتل، والمزيد من القتل، هو الطريق الوحيد لإخضاع قيادة المقاومة، وأن ما لا يأتي بالقوة، سيأتي بالمزيد من القوة والبطش، ليكتشف العدو بعد عشرة أشهر من الإبادة الجماعية، أن المقاومة باقية، ولا تهزم، ولا تتنازل تحت الضغط العسكري، وقد عجز العدو عن تحرير أسراه لدى المقاومة من خلال العنف والإرهاب، وأن الشعب الفلسطيني يرفض المذلة، ويموت واقفاً ولن يركع.
10ـ راهنت القيادة الإسرائيلية على تماسك جبتها الداخلية، وحسبت أن المجتمع الإسرائيلي سيظل يقدس الجيش، ويرى الأمن والأمان في حضنه، وأن الجيش قادر على حسم المعركة لصالحهم، لتكتشف الدولة هشاشة الانتماء مع هروب نصف مليون يهودي إلى الخارج، ومع استطلاع الرأي الذي أجراه المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، والذي يقول:
مع بداية معركة طوفان الأقصى، في شهر نوفمبر كانت نسبة 65% من الإسرائيليين تعتقد بأن جيشهم سينتصر، ولكن بعد تسعة أشهر من المعارك والخسائر والفشل، تدنت نسبة الواهمين بانتصار جيشهم إلى 30% فقط.
كاتب فلسطيني