نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا أعدته فيفيان يي وبلال شبير قالا فيه إن الأسر الممتدة وموظفي المستشفيات والمتطوعين يحاولون رعاية العدد المتزايد من الأطفال الأيتام في غزة، بعضهم يعانون من الصدمة وتطاردهم ذكريات أبويهم.
وقالت الصحيفة إن الأولاد يتطلعون لرؤية والديهم مرة أخرى. وهم مقتنعون بأن هذا سيحدث بمجرد أن يتمكنوا من العودة إلى مدينة غزة، حيث نشأوا قبل أن تدمر الحرب حياتهم هناك.
وتقول سمر، التي تعتني بأربعة أيتام وهم محمد ومحمود وأحمد وعبد الله عكيلة: “سينتظرنا بابا وماما هناك”. وهم يقولون هذا على الرغم من معرفتهم أن والديهم ماتا منذ أشهر وفي غارة جوية ضربت محيط المكان الذي كانت الأسرة تحتمي فيه.
وباستثناء أحمد، ثاني أصغرهم سنا، الذي يبلغ من العمر 13 عاما، لم ير أي منهم الجثث. ويقضي الإخوة كل لحظة تمر في البكاء، ويكادون لا يستطيعون الكلام، وقد كان عيد الأم صعبا وكذلك عيد الفطر، ومع ذلك ما زالوا يتمسكون بالأمل. يقول عبد الله البالغ من العمر 9 سنوات إنه يستطيع سماع صوت والدته كل مساء عند صلاة المغرب.
وتشعر خالتهم سمر الجاجة (31 عاما)، التي تعيش في خيمة مع الأطفال بمدينة خان يونس جنوب غزة، بالحيرة، وتقول: “عندما يرون الآباء الآخرين يحملون أطفالهم ويتحدثون إليهم، كيف يشعرون؟”.
وتضيف الصحيفة أن الحرب في غزة تحرم الأطفال من آبائهم والآباء من أطفالهم، وتفسد النظام الطبيعي للأشياء، وتمزق الوحدة الأساسية للحياة في غزة. إنها تخلق حالة من الفوضى لدرجة لا تستطيع فيها أي وكالة أو مجموعة إغاثة إحصاء عدد الأيتام.
ويقول العاملون الطبيون إن الأطفال يتركون للتجول في ممرات المستشفيات ويعتنون بأنفسهم بعد نقلهم إلى هناك وهم ملطخون بالدماء وحيدين، وكما تصفهم بعض المستشفيات “طفل جريح، لا أسرة له على قيد الحياة”. كما تؤوي وحدات الأطفال حديثي الولادة أطفالا لم يأت أحد ليطالب بهم.
وفي خان يونس، أنشئ مخيم يديره متطوعون لإيواء أكثر من ألف طفل فقدوا أحد والديهم أو كليهما، بما في ذلك عائلة عكيلة. وهناك قسم مخصص لـ”الناجين الوحيدين”، أي الأطفال الذين فقدوا أسرهم بالكامل، باستثناء ربما أحد أشقائهم. وهناك قائمة انتظار طويلة.
وفي خضم القصف، والإخلاءات المستمرة من خيمة إلى خيمة ومن شقة إلى مستشفى إلى مأوى، لا أحد يستطيع أن يعرف عدد الأطفال الذين فقدوا آباءهم، وكم عدد الذين فقدوهم إلى الأبد.
وباستخدام طريقة إحصائية مستمدة من تحليل حروب أخرى، يقدر خبراء الأمم المتحدة أن ما لا يقل عن 19 ألف طفل يعيشون الآن بعيدا عن والديهم، سواء مع أقاربهم، أو مع مقدمي رعاية آخرين، أو بمفردهم.
ولكن الرقم الحقيقي ربما يكون أعلى من ذلك. ولم تتضمن تلك الحروب الأخرى هذا القدر من القصف وهذا القدر من النزوح في مثل هذا المكان الصغير المزدحم، مع وجود نسبة عالية من السكان من الأطفال، كما قال جوناثان كريكس، المتحدث باسم وكالة الأمم المتحدة للطفولة.
وتضيف الصحيفة أن عشرات الآلاف من الناس قتلوا، منهم عدد كبير من الأطفال، وكثير منهم من الآباء. وفي نيسان/ أبريل، كانت 41% من الأسر التي استطلعت وكالة الأمم المتحدة للطفولة آراءها في غزة ترعى أطفالا ليسوا من أطفالها.
وتقول الصحيفة إن بعض الأطفال ولدوا أيتاما بعد وفاة أمهاتهم الجريحات أثناء الولادة. وتقول الدكتورة ديبورا هارينغتون، وهي طبيبة توليد بريطانية إنها شهدت ولادة طفلين بهذه الطريقة أثناء تطوعها في غزة في كانون الأول/ ديسمبر. وفي كثير من الأحيان، ينفصل الأطفال عن آبائهم عندما تعتقل القوات الإسرائيلية آباءهم، أو بعد غارة جوية، يُهرع بالأطفال إلى المستشفيات بمفردهم وسط الارتباك.
ويقول الأطباء إنهم عالجوا العديد من الأطفال الذين تيتموا حديثا، وكثير منهم بترت أطرافهم.
ويقول الدكتور عرفان غالاريا، وهو جراح تجميل من فرجينيا تطوع في مستشفى في غزة في شباط/ فبراير: “لم يكن هناك أحد ليمسك بأيديهم، ولم يكن هناك أحد ليمنحهم الراحة” أثناء العمليات المؤلمة.
ويحاول عمال الإغاثة تعقب الآباء، إذا كانوا على قيد الحياة، أو الأقارب. ولكن الأنظمة الحكومية التي كان من الممكن أن تساعد انهارت. والاتصالات متقطعة. وأوامر الإخلاء تمزق العائلات وترسل الشظايا في كل الاتجاهات.
في كثير من الأحيان، ينفصل الأطفال عن آبائهم عندما تعتقل القوات الإسرائيلية آباءهم، أو بعد غارة جوية، يُهرع بالأطفال إلى المستشفيات بمفردهم وسط الارتباك
وقالت الصحيفة إن بعض الأطفال الصغار يعانون من صدمة شديدة لدرجة أنهم يصمتون ولا يستطيعون إعطاء أسمائهم، مما يجعل البحث شبه مستحيل، وفقا لجمعية قرى الأطفال العالمية “أس أو أس” وهي مجموعة مساعدة تدير دار أيتام في غزة.
تتحدث منة الله صلاح (11 عاما) باستمرار عن والديها. بعد أن تيتمت في كانون الأول/ ديسمبر، تقلد طريقة ضحك والدتها وغمزها ومشيها. ترتدي حذاء والدتها الرياضي وقميصها المفضل، على الرغم من أنهما كبيران جدا.
قالت: “كانت أمي كل شيء بالنسبة لي”، وانهمرت الدموع، ولم تستطع الاستمرار.
ومن بين الأطفال الخدج الذين وصلوا إلى المستشفى الإماراتي في مدينة رفح الجنوبية في تشرين الثاني/ نوفمبر، كانت طفلة تبلغ من العمر 3 أسابيع لم تعرف أسرتها. وذكر ملفها أنه تم العثور عليها بجوار مسجد في مدينة غزة بعد غارة جوية أسفرت عن مقتل العشرات من الناس، وفقا لأمل أبو ختلة، ممرضة حديثي الولادة في المستشفى. أطلق عليها الموظفون اسم “مجهول”.
ولكن في كانون الثاني/ يناير، شعرت أبو ختلة بالانزعاج من قسوة هذا الاسم، فقررت أن تطلق عليها اسما مناسبا: ملاك. فاتصلت بالصحافيين في شمال غزة لمعرفة الأسر التي فقدت أفرادها في غارة بالقرب من المكان الذي عثر فيه على ملاك، ثم سألت المرضى الذين يحملون تلك الألقاب عن طفلة رضيعة مفقودة. ولكن لم يحالفها الحظ.
وفي كانون الثاني/ يناير، أخذتها أبو ختلة إلى منزلها، بسبب قلقها على نموها. وقالت: “أشعر أن ملاك هي ابنتي الحقيقية. أنا أحبها. حتى أن أصدقائي يقولون إنها تشبهني الآن”.
وفي معظم الحالات، يقول مسؤولو المساعدات، تتدخل الأسر الممتدة المترابطة في غزة كأوصياء على ملاك. وهكذا كان حال الأخوة من عائلة عكيلة.