بقلم اللواء المتقاعد: أحمد عيسى باحث متخصص في أبحاث الأمن القومي الفلسطيني والإسرائيلي
احتلت إسرائيل كالعادة مساحة في المناظرة الرئاسية التي جرت يوم الأربعاء الماضي الموافق 11/9/2024، بين المرشحين للرئاسة عن الحزب الديمقراطي كامالا هاريس وعن الحزب الجمهوري دونالد ترامب، ولكنها كانت هذه المرة مختلفة عما سبقها من مناظرات منذ الإعلان عن قيام إسرائيل العام 1948.
إذ طغى هذه المرة مفهوم زوال إسرائيل على مفهوم أمن إسرائيل وإلتزام أمريكا الحديدي به بإعتباره مسألة أمن قومي أمريكيعابرة للأحزاب، الأمر الذي يجعل المشروع التساؤل هل كان ابراز ترامب لمسألة زوال إسرائيل المشروط بفوز المرشحة الديمقراطية مجرد تنافس إنتخابي، أو أن التوظيف جاء نتيجة قلق حقيقي متراكم لدى الرئيس السابق والمرشح الحالي ترامب؟
صحيح أن المرشح الرئاسي ترامب عادة ما يستخدم لغة مبالغ فيها لإثارة إهتمام جمهوره لتحفيزهم، لكن تصريحه هذه المرة خلال المناظرة بأن إسرائيل ستزول عن الوجود في غضون سنتين إذا فازت مرشحة الحزب الديمقراطي هاريس يبدو أنه مبنيا على قلقعميق من سياسة الحزب الديمقراطي الخارجية التي تتعلق يإسرائيل والشرق الأوسط، علاوة على القلق الناجم من مؤشرات التحول في الرأي العام الأمريكي غير الداعمة لإسرائيل، لا سيما في أوساط اليهود الأمريكان إضافة لتدهور مكانة إسرائيل الدولية نتيجة لإرتكابها جرائم إبادة بحق الشعب الفلسطيني.
من جهته ترامب يرى أن خطر وجود إسرائيل يرتبط بالسياسات التي قد تتبناها الإدارة الأمريكية نحو منطقة الشرق الأوسط، لا سيما وأن ألإعتماد على الدعم الأمريكي العسكري والسياسي والإقتصادي يعتبر أحد أهم ركائز مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي.
ينبغي التنويه هنا أن الخطر على وجود إسرائيل من وجهة نظر ترامب ليس بالضرورة خطراً عسكريا مباشراً، بل هو خطر سياسي واستراتيجي يتعلق بانخفاض الدعم الأمريكي والتوجهات الدولية والإقليمية التي قد لا تخدم مصالح إسرائيل في المدى القريب والمتوسط والبعيد.
في الواقع لا يفضل ترامب الخيار العسكري فهو لا يميل الى الحروب الكبيرة، إذ وفقا لتجربته الرئاسية السابقة بدا أنه يفضل العقوبات الإقتصادية والضغط الديبلوماسي على التدخل العسكري المباشر، ولكن هذا لا يعني أن الخيار العسكري مستبعد من خيارات ترامب، لا سيما وأن نائبه فانس يعتبر من المؤيدين الأقوياء لإسرائيل ولم يخفي في تصريحاته التي أدلى بها منذ إختياره نائبا للرئيس احتمال لجوء الولايات المتحدة الأمريكية للخيار العسكري في المنطقة ضد أعداء إسرائيل أي إيران وحلفائها كما ظهر في خطابه في شهر أغسطس الماضي أمام معهد كوينس.
ما تقدم يجعل من المشروع القول أن مسألة زوال إسرائيل لم تعد مسألة داخلية إسرائيلية تناقش في الداخل الإسرائيلي علناً، بل أصبح وجودها وقدرتها على الحفاظ على هذا الوجود مصدر قلق للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في الغرب الأوروبي، الأمر الذي يعني أن فاشية إسرائيل وتحولها الى دولة مجرمة تمارس الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني الأعزل لم يعد بمقدور شركائها وحلفائها إحتماله والدفاع عنه بما في ذلك ترامب نفسه، وكان الإعلامي الأمريكي توم سواريز قد عبر عن ذلك بوضوح ايما وضوح في مقال له نشر على منصة موندوويس بتاريخ 8/9/2024 وحمل عنوان (فلسطين تعيد تعريفنا: فلسطين هي التصوير الأفضل لنفاق الغرب المذهل، التطهير العرقي في غزة يعرفنا لأنه من صنعنا).
وفي الختام ألا يفرض هذا على الفلسطينيين، لا سيما القيادة،إدراك ماذا أحدثوا في العالم من تحولات، ثم بناء إستراتيجيتهمالوطنية بناء على ما أصبح بحوزتهم من قوة تأثير على العالم باسره، ويبرز في هذا الشأن مكانة ودور الجاليات الفلسطينية في الغرب خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية فهم في الواقع فرسان المرحلة القادمة كما هو شعبنا في غزة والضفة الغربية بطل المرحلة دائماً.