من «المسيّرة» إلى «البيجر».. هل تغير الحرب التكنولوجية قواعد اللعبة ؟

بعد أن شكلت (المسيّرات) الإسرائيلية التي تسرح وتمرح في أجواء لبنان تهديداً كبيراً لقيادات وعناصر (حزب الله)، خصوصاً أن الطائرات بدون طيار، التي تدار من الداخل الإسرائيلي، تطارد تحركاتهم وتستهدفهم وتعود إلى قواعدها سالمة تاركة وراءها خسائر كبيرة، غير أن التحول الكبير الذي أحدثه تفجير أجهزة الاتصال (البيجر) واللاسلكيبة في طبيعة الصراع بين إسرائيل وحزب الله، ينذر بتحول في تكتيك وقواعد اللعبة المستمرة منذ عقود. المراقب لتطور أدوات الحروب في ظل الثورة التكنولوجية والرقمية التي باتت فيها التقنيات المتقدمة عنصراً أساسياً في صياغة التقييم الإستراتيجي في مجالات الأمن والحرب والتجسس، يرى أن الحرب لم تعد بحاجة إلى هجوم بري وقتال وجها لوجه، بل باتت الحروب تقنية بامتياز، بعد أن أصبحت أجهزة الاتصالات أكبر خطر يمكن استخدامه في الصراعات والتجسس والحصول على المعلومات الاستخباراتية، متجاوزة الأدوات التقليدية السابقة التي كانت تستخدمها إسرائيل في تصفية القيادات الفلسطينية واللبنانية. وأفاد تقرير صادر عن الموسوعة البريطانية المحدودة، بأن الحرب الإلكترونية ستكون بمثابة استخدام إستراتيجي للطيف الكهرومغناطيسي، ضد عدو في صراع عسكري، وهو ما لجأت إليه إسرائيل للانتقام من أعضاء حزب الله الذي يعرف بـ(ECM)، فضلاً عن التنصت على الاتصالات (SIGINT). واعتبر أن جمع المعلومات الاستخبارية بات أكثر أهمية في ما يتعلق مباشرة بالتعقيد التقني المتزايد للحرب الحديثة، وأصبح يلعب الآن دوراً مهماً في تحديد ما إذا كانت الدول ستخوض الحرب في المقام الأول. ورغم أن القدرات العسكرية الحديثة تعتمد بشكل متزايد على (الطيف الكهرومغناطيسي)، حيث يعتمد المقاتلون على الطيف للتواصل مع بعضهم البعض وقادتهم، لفهم البيئة وإبلاغ القرارات، وتحديد الأهداف بدقة والاشتباك معها، إلا أن ما جرى في لبنان مثل صدمة، خصوصاً أن (البيجر) يعرف بأنه جهاز اتصال لاسلكي يستخدم لإرسال إشارات أو رسائل نصية قصيرة إلى مستلم محدد، وظهرت فكرتها في السبعينيات ويستخدم بشكل أساسي في المجال الطبي والعسكري.

ويعتقد خبراء أمن سيبراني أن الأجهزة تعرضت للتلاعب قبل وصولها إلى (حزب الله) وعبر رمز محدد جرى تفجيرها، وهذا الفرضية أكدتها مصادر أمنية لبنانية وقالت إن الجهاز كان بداخله 20 غراماً من المتفجرات وجرى تفجيره بشفرة عبر الأقمار الصناعية. ويرى مختصون أن التفجيرات واسعة النطاق التي حدثت في لبنان تفتح صفحة جديدة من الحرب بين حزب الله وإسرائيل وهي (حرب التكنولوجيا) وليست فقط حرب المسيّرات والصواريخ وطائرات الـF 35 أو البواخر وغيرها، مؤكدين أن التفجيرات المتزامنة لأجهزة اتصالات حزب الله) ستلقي بظلالها أيضاً على مختلف المجتمعات التي باتت تتخوف من خطورة أجهزة الاتصالات التي يمكن أن تتحول إلى عدو بعد أن كانت بمثابة صديق، ما قد يجبر الكثير من قيادات الجماعات والمليشيات الإرهابية إلى إعادة النظر في التعامل مع الهواتف وأجهزة الاتصالات الحديثة.

والسؤال: هل تعود الجماعات والمليشيات المسلحة إلى الوراء وتحظر التعامل مع وسائل التكنولوجيا التي بدأت توظفها بشكل كبير في صراعاتها مع أنها غير آمنة.