من المفارقات العجيبة والغريبة أنّ الأمّة العربيّة تُحيي اليوم السبت الـ 28 من أيلول (سبتمبر) الذكرى الـ 54 لرحيل المارد العربيّ، الرئيس المصريّ جمال عبد الناصر، وكان الصحافي الإسرائيليّ داني روبنشتاين، قال في صحيفة (يديعوت أحرونوت) إن “حسن نصر الله هو شخصية عظيمة، تشخص لها أبصار الفلسطينيين والشارع العربي، بدرجةٍ تفوق عبد الناصر في زمنه. عبد الناصر صمد في حرب حزيران ستة أيامٍ، أمّا حسن نصر الله فهو يحبس رُبع سكان اسرائيل في الملاجئ منذ أربعة أسابيع”، وذلك خلال حرب لبنان الثانية.
وتجيء هذه الذكرى الأليمة، ذكرى ارتحال عبد الناصر، في الوقت الذي ما زال مصير الأمين العّام لحزب الله، السيّد حسن نصر الله، غيرُ معروٍف بعد الهجوم الإسرائيليّ الوحشيّ والبربريّ والهمجيّ أمس الجمعة على الضاحية الجنوبيّة في بيروت، والذي استهدف، وفق المزاعم في تل أبيب، اجتماعًا لقادة الحزب، حيثُ استخدم الاحتلال قنابل بزنة ألفي طُن، للتدليل على قسوته الإجراميّة المعهودة.
وحتى كتابة هذه السطور لم تُعلِن دولة الاحتلال فيما إذا استشهد السيّد نصر الله، ولكن مسؤولاً أمنيًا إسرائيليًا رفيع المستوى قال للصحافة الأجنبيّة، وفق ما ذكر موقع (YNET) العبريّ، إنّ اغتيال الأمين العّام لحزب الله منذ العام 1992 يختلف عن جميع الاغتيالات السابقة، لافتًا إلى أنّه خلافًا لغيره لا يوجد له البديل، على حدّ قوله.
ونقل محلل الشؤون العسكريّة غي موقع (WALLA) الإخباري، أمير بوحبوط، عن محافل رفيعةٍ في جيش الاحتلال قولها أنّ العملية في الضاحية ستؤدّي إلى تغييرٍ في الشرق الأوسط، لافتًا إلى أنّه تزداد المؤشرات والدلائل على أنّ نصر الله قُتِل في العملية.
وتابع نقلاً عن مسؤوليْن إسرائيلييْن اثنيْن قولهما إنّه تمّ إجراء نقاشيْن حول العملية بالضاحية، الأوّل يوم أوّل من أمس الأربعاء، قبل سفر رئيس الوزراء إلى الأمم المتحدّة، حيثُ تقرر انتظار الفرصة المناسبة للتنفيذ، وأنّها جاءت بعد ظهر أمس الجمعة، وكان المجتمعون قد قرروا اغتيال نصر الله لرفضه الفصل بين الجبهة الشماليّة والجنوبيّة، على حدّ تعبيرهما، مُضيفًا أنّ سفر نتنياهو للأمم المتحدّة جاء لتغطية على العملية والتأكيد على أنّ الأمور تسير بشكلٍ طبيعيٍّ ودون تصعيدٍ.
وكانت ماكينة الدعاية الإسرائيليّة واصلت مساعيها الحثيثة لشيطنة نصر الله، مدعيّةً، وفق مصادرها الأمنيّة-الاستخباراتيّة، بأنّ الرجل الأخطر على دولة الاحتلال بات يخشى أكثر على حياته من ذي قبل، وأنّ انضمامه من الشمال للمجهود الحربيّ ضدّ الكيان، انتصارًا لغزّة، أكّد بما لا يدعو مجالاً للشكّ أنّ وجهته للتصعيد أكثر حتى المواجهة الشاملة، طبقًا للمصادر التي تحدثت لموقع (YNET) الإخباريّ-العبريّ.
وقال محلل شؤون الشرق الأوسط في صحيفة (يديعوت أحرونوت)، آفي يسسخاروف إنّ الخيارات المتاحة أمام إسرائيل في الواقع الحالي على الحدود الشماليّة، تمامًا كما هو الحال في قطاع غزة، وتتراوح بين السيء والأسوأ.
يسسخاروف حرّض على نصر الله قائلاً: “الطريقة الوحيدة التي قد تُغيِّر الوضع الحالي هي ضرب الرجل نفسه، نصر الله، الذي يتمتع بمكانة نجمٍ خارقٍ بين الشيعة في لبنان وفي العالم”. مضيفًا: “من المحتمل أنْ يؤدي التخلص منه إلى تمهيد الطريق لحلٍّ سريعٍ نسبيًا. لكن حتى هنا يجب قول الحقيقة: لا يوجد حلّ سحريّ. خليفة نصر الله المنتظر، هاشم صفي الدين، قد يتبيّن أنّه أكثر تشددًا حتى من نصر الله. مثلما حدث في حزب الله بعد أنْ اغتالت إسرائيل عباس الموسوي في 1992”.
وكانت مصادر إسرائيليّة وُصفت بأنّها رفيعة كشفت عن أنّه على الرغم من الملاحقة المكثفّة لنصر الله بهدف اغتياله والتي ما زالت مستمرّةً دون توقفٍ، إلّا أنّها أقرّت أنّ الفرصة الوحيدة التي كان من الممكن تنفيذ عملية الاغتيال الأخيرة والوحيدة كانت عندما قام حزب الله باختطاف الجنود الإسرائيليين قُبيل حرب لبنان الثانية في العام 2006، حينها عقد السيّد مؤتمرًا صحافيًا علنيًا، وأكّد فيه عملية الاختطاف وتحمل المسؤولية، لكن لأسبابٍ، لم تُفصِح عنها المصادر، لم تخرج عملية الاغتيال إلى حيّز التنفيذ، بحسب الجنرال في الاحتياط، رونين كوهين، الذي شغل منصب نائب قائد وحدة البحث في شعبة الاستخبارات العسكريّة (أمان).
الجنرال كوهين أوضح أنّه بعد عملية اختطاف الجندييْن الإسرائيلييْن من قبل حزب الله سادت أجواءً من البلبلة والفوضى العارمة في الحكومة والجيش والمخابرات، وتحدّثت القيادات فقط عن عملية الاختطاف دون ذكر الأخذ بالثأر واغتيال نصر الله، وبذلك أهدرت إسرائيل، بحسب أقواله، فرصة تصفية “زعيم التنظيم الإرهابيّ” الأكثر خطرًا على إسرائيل، مُضيفًا أنّ عملية الاغتيال لم تُطرح على الأجندة الإسرائيليّة آنذاك بتاتًا، كما قال.
وأوضح أنّه بشكلٍ غريبٍ، وعلى الرغم من التغيير الذي حصل بسياسة التصفيات الممركزة ضدّ الفلسطينيين خلال الانتفاضة الثانية، لم تقُم المخابرات الإسرائيليّة بجمع المعلومات عن نصر الله بهدف اغتياله، إذْ أنّ الرؤية في الكيان كانت أنّ تصفية نصر الله يجِب أنْ تتِّم خلال الحرب، طبقًا لمزاعمه.
ورأى كوهين أنّ إسرائيل امتنعت عن الاغتيال بهدف منع اشتعال الجبهة الشماليّة، لافتًا إلى أنّه بُعيد انسحاب إسرائيل من الجنوب اللبنانيّ في أيّار (مايو) 2000، قام حزب الله باختطاف ثلاثة جنودٍ إسرائيليين، ولم تكُن لدى الكيان أيّ نيّةٍ للقيام بعمليةٍ عسكريّةٍ واسعةٍ ردًا على ذلك، إذْ أنّ سياسة الحكومة كانت تهدف لتثبيت الوضع على الحدود مع لبنان وعدم التصعيد، وهذا يشمل في المقدّمة إمكانية اغتيال نصر الله، كما قال.
وكشفت المصادر عن أنّه بعد اختفاء نصر الله تحت الأرض، قامت إسرائيل بصرف مبالغ كبيرةٍ جدًا وبذلت جهودًا جبارّةً للتوصل لمعلوماتٍ عن مكان تواجد الأمين العام لحزب الله، إلّا أنّها فشلت حتى اللحظة في العثور عليه، على حدّ تعبيرها.
أمّا فيما يتعلّق بشخصية نصر الله، فقالت نائبة رئيس مجلس الأمن القوميّ سابقًا أورنا مزراحي، إنّ “نصر الله يعرف إسرائيل جيِّدًا، ويعلم بالضبط من وما هي القيادة السياسيّة والأمنيّة، كما أنّه على درايةٍ بالإستراتيجيّة الإسرائيليّة، وبالإضافة فإنّه يُتابِع بصورةٍ كاملةٍ وشاملةٍ ودون كللٍ أوْ مللٍ الإعلام الإسرائيليّ على مختلف مشاربه، فهو يقرأ، يستمِع، يُشاهد ويُعقِّب على كلّ حدثٍ في الكيان خلال خطاباته التي يُلقيها في مناسباتٍ عديدةٍ”، كما قالت.
وشدّدّت مزراحي على أنّه من ناحية نصر الله فإنّ إسرائيل هي العدو اللدود، وهي كيان غيرُ شرعيٍّ، الذي يتحتّم في قادم الأيّام إزالته عن الخريطة، وذلك من منطلقاتٍ أيديولوجيّةٍ إسلاميّةٍ متطرّفةٍ، والتي تعود مصادرها لإيران، مُضيفةً أنّ الكاريزما الشخصيّة التي يتمتّع بها نصر الله ورسائله القتاليّة أديّا إلى شهرته في جميع أرجاء الوطن العربيّ، طبقًا لأقوالها.
وبحسب الإعلام العبريّ، الذي اعتمد على مصادر عسكريّةٍ مطلعةٍ فإنّ عدد الشهداء في الضاحية يفوق الـ 399 شهيدًا.