ما وراء الاغتيال.. –

اغتالت إسرائيل قائد حزب الله، السيد حسن نصر الله، في غارة استهدفت مقر اجتماعه تحت الأرض في إحدى بنايات الضاحية الجنوبية لبيروت، وقد استخدمت إسرائيل في هذه العملية حوالى ٨٠ قنبلة من نوع MK ٨٤، التي تزن حوالى ألفي رطل، والقادرة على اختراق التحصينات والحوائط الأسمنتية حتى ٨ أمتار، وبدا واضحاً منذ يوم اختراق أجهزة البيجر واللاسلكي ثم اغتيال عدد كبير من قادة الصف الأول في حزب الله أن التفوق التكنولوجي الإسرائيلي لعب دوراً حاسماً في ترجيح كفتها في هذه المواجهة، بجانب الدعم الأميركي غير المحدود عسكرياً ومادياً وسياسياً لدولة الاحتلال، وأخيراً قدرتها على اختراق حزب الله وجمع معلومات دقيقة من داخله كما سبق أن فعلت مع إيران.

ويكفي أن إسرائيل جندت بكفاءة أكثر من جهاز استخبارات داخلي لجمع معلومات دقيقة من داخل الحزب ومن بيئته المحيطة، فمثلاً الوحدة ٩٩٠٠ أسهمت بجمع المعلومات البصرية وتحديد الإحداثيات، وهو أمر جديد على أنشطة أجهزة المخابرات يتعلق باستخدام الذكاء الصناعي وغيره من الأدوات المتطورة، ولأن هذه المعلومات أحياناً لا تكون دقيقة بشكل كامل، فإن دولة الاحتلال استخدمت الوحدة ٥٠٤، التي تعمل على تجنيد العملاء وجمع معلومات بالطريقة التقليدية ليس من أجل حماية المدنيين والأبرياء في حال لم يدقق الأسلوب الأول بشكل كامل في المعلومات الواردة، إنما لضمان الوصول إلى الهدف المطلوب، خاصة إذا كان بوزن قائد مثل حسن نصر الله.
ولذا، فإن ما أشارت إليه صحيفة «النيويورك تايمز» هو أن الإسرائيليين تتبعوا بدقة تحركات الأمين العام لحزب الله لعدة شهور قبل عملية اغتياله، «وأن قرار اغتياله اتُّخذ الأسبوع الماضي حين شعر القادة الإسرائيليون بتضاؤل فرص استهدافه واختفائه في مكان مختلف».
استهداف حسن نصر الله، الذي بقي أكثر من ٣٠ عاماً زعيماً لحزب الله، (عقب اغتيال زعيمه الأول عباس موسوي على يد إسرائيل أيضاً العام ١٩٩٢) بهذه الطريقة أحزن كثيراً من المختلفين معه ومع توجهات حزبه لأنهم في النهاية وجدوا أن إسرائيل استباحت الجميع: المعتدلين والممانعين، ولم تعبأ بالمدافعين عن الحقوق المدنية للشعب الفلسطيني في بناء دولة مستقلة بالأدوات السلمية والشعبية والقانونية، واعتبرتهم وكأنهم غير موجودين، وفي نفس الوقت ضربت بقسوة المقاومين بالسلاح، وصنفت تنظيماتهم كتنظيمات إرهابية، واغتالت قادتهم ليكونوا «عبرة» لكل مَن يفكر في مقاومة إسرائيل.
يقيناً، لن تختفي كل تنظيمات المقاومة المسلحة، حتى لو لم تراجع أخطاءها الكثيرة، لأن إسرائيل تعطي كل يوم ذريعة لهذه التنظيمات بعدم جدوى الحلول السياسية والمدنية، وأنها لا تقدم طرحاً سياسياً تقول فيه إنها مع حل الدولتين، إنما ترفضه، وترفض أي تسوية سلمية، ولو من خلال المعتدلين، وبالتالي أصبحت الاستباحة الإسرائيلية مؤذية لأنها تقول «اضربوا رأسكم في الحيط»، مهما كانت خياراتكم وتوجهاتكم.