يعتبر قطاع غزة اعلى كثافة سكانية على مستوى العالم حيث يعيش في هذه البقعة الثائرة نحو مليوني فلسطيني على مساحة لا تتجاوز 360 كيلو متر مربع حيث يصل طوله لواحد واربعين كم, اما عرضه فيصل الى نحو 15 كم ولا تكاد تجد مساحة خالية من السكان في القطاع, وهذه الحالة فرضت على المقاومة ان تلتحم بالجماهير الفلسطينية وتلتحم الجماهير بمقاومتها, وهذه هي القوة الحقيقية التي استطاعت المقاومة من خلال ادائها العسكري المميز, والجماهير من خلال صمودها الاسطوري وحمايتها للمقاومة من افشال اهداف العدوان على غزة في العام 2008م و 2012م, و2014م, 2021م, وهى الحالة التي اربكت الاحتلال ودفعته لارتكاب جرائم ضد المدنيين العزل واستخدام الاسلحة المحرمة دوليا والقوة المفرطة ضد السكان.
المقاومة عندما تعد عدتها للمواجهة وتسخر الميدان لخدمة اهدافها وتتحدى الحصار الخانق بكل اشكاله لتطور من قدراتها الذاتية والميدانية تدخل في حلقات متعددة من الخطورة وبألوان مختلفة, وتحاول ان تتجنب الخسائر بقدر الامكان, ولكن تبقى الاخطار دائما قائمة ومتعددة ومحدقة بها, وقد تحدث في أي وقت وحين, وفي أي مكان, فتعقيدات العمل والتصنيع والتطوير تفرض على المقاومة احيانا ان لا تستقر في مكان ثابت, وهى تتنقل بين الفينة والاخرى من مكان لآخر لتضليل الاحتلال والتعمية على عملائه وجواسيسه وفي نفس الوقت تبحث عن وسائل السلامة لخبرائها العسكريين وللمواطنين الفلسطينيين على حد سواء, فكلاهما رصيد غالي للمقاومة, ولكن رغم ذلك تقع الاقدار احيانا, ويسقط الشهداء والضحايا, وهذه ضريبة الحرية التي دفعتها كل شعوب الارض التي ناضلت ضد الاحتلال, وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق.
بالأمس خرج علينا ما يسمى بالمركز الفلسطيني لحقوق الانسان ببيان يدين فيه الحادث الذي وقع في سوق باب الزاوية, وقد خرج بهذا البيان قبل ان يخرج بيان رسمي عن وزارة الداخلية والامن الوطني ليفند فيه سبب وقوع الانفجار الذي ادي لاستشهاد فلسطيني واصابة عشرة اخرين بجراح مختلفة, وكأن هذا المركز الحقوقي كان ينتظر فرصة ليقوم بالهجوم على المقاومة الفلسطينية, ويوجه سيل من الاتهامات لها, في محاولة يائسة لإحداث فجوة بين المقاومة وجماهيرها, وذلك لخدمة الاحتلال واعطاءه مبررا لتنفيذ جرائمه في عمق المناطق السكنية, فالاحتلال يعرف كيف يستغل هذه البيانات لتبرير جرائمه ضد السكان المدنيين, ويعرف كيف يخدم نفسه باستغلال هذه البيانات لتشويه صورة المقاومة امام العالم, ويبدو ان هذا الامر كان معدا له مسبقا فصاحب هذا المركز كان قد تقلد قبل نحو اسبوعين وسام الاستحقاق الوطني بدرجة (فارس) من القنصل العام الفرنسي رينييه تروكاز وهو من أرفع الأوسمة الفرنسية، وذلك لنشاطه التاريخي بالدفاع عن حقوق الإنسان, والحقيقة انني بحثت طويلا عن الانجازات التي حققها مدير هذا المركز للفلسطينيين فوجدته “كالغريب” في بيتي, فأين حق الشهيد محمد الدرة, واين حق اسرة هدى غالية, واين حق الطفل محمد ابو خضيرة الذي احرقه المستوطنون حيا, واسرة عائلة دوابشة الذين احرقوا وهم نيام, وهل حوكمت “اسرائيل” على مجازر الابادة الجماعية التي ارتكبتها في عدوانها المتكرر على غزة, وتم خلاله مسح عائلات بأكملها من السجل المدني, فكل هذه الجرائم مرت دون عقاب رغم القوانين الدولية التي تعاقب على مثل هذه الجرائم.
لقد بحثت عن جواب فلم اجد, لكنه الاستحقاق المعروف, ففرنسا لا تمنح احدا وساما وطنيا بدرجة فارس لأنه يحمل سيفا بيده ضد الاحتلال الصهيوني, او يعتلي صهوة جواد, او ينبري قلمه ضد المحتل الغاصب ويلاحقه في المحافل الدولية, انه وسام الاستحقاق لفارس بلا جواد, مسالم تماما ومستسلم للواقع, يتعايش في ظل قانون الغاب الذي ترعاه فرنسا وقوى البغي في العالم, فلم يجد اسهل من المقاومة ليهاجمها ويوجه سهامه اليها, تلك المقاومة التي تصنع ادوات النصر بيدها, وتحاول ان تدافع عن شعبها وتحميه من الة الاجرام العسكرية الصهيونية, وابنائها يتعرضون للأخطار دائما ويدفعون ثمن انتمائهم للوطن ودفاعهم عن شعبهم وامتهم, ذلك لانهم نذروا انفسهم لله وللوطن وللشعب, لانهم مشاريع شهادة لا يفهم طباعهم المستسلمون .
المركز يقول في بيانه انه يطالب الجهات المختصة باتخاذ تدابير اكثر صرامة حفاظا على ارواح المدنيين وسلامتهم, ولغة التحريض واضحة في هذا البيان, ومحاولة تأجيج الحدث واشعال الفتنة ظاهرة تماما, لكنها لا تنطلي على احد, وكنا نأمل من مدير هذا المركز “الفارس” ان يتحدث للقنصل الفرنسي عن مواقف الحكومة الفرنسية الداعمة للكيان الصهيوني, سواء تلك المواقف السياسية او الدعم اللوجستي والعسكري الغير مسبوق لفرنسا في عدوان الاحتلال الاخير على قطاع غزة, حتى المسيرات والوقفات الاحتجاجية للجاليات العربية والاسلامية في فرنسا منعت وقمعتها الشرطة الفرنسية بشدة, اين بيانات الشجب والاستنكار التي صدرت عن هذا المركز الحقوقي ضد سياسة الحكومة الفرنسية وقمعها للمسيرات التي تستنكر العدوان الصهيوني على قطاع غزة, واذا كان مدير هذا المركز يستنكر ممارسات الحكومة الفرنسية وانحيازها لصالح الاحتلال الصهيوني وقمعها للمسيرات التضامنية مع فلسطين, فلماذا يقبل وسام الاستحقاق الوطني بدرجة فارس ممن كان يقف مع الاحتلال ويسانده ويمنع الوقفات التضامنية, لكنها العين التي ترى بالوان مختلفة, فما ترى به العين لفعل المقاومة يكتسي بالسواد وتشوبه الشوائب , اما ما ترى به العين ما ترتكبه قوى الشر من جرائم وسياسات, ففيه وجهات نظر مختلفة ومعايير متقلبة ويخضع دائما لقانون “البقاء للأقوى”, فهنيئا لكم فتنة وسام “الفارس” واستحقاقها المطلوب من مانحيه للمكرم, ولتحيا المقاومة عزيزة وشامخة بعزة شعبها وشموخة, وستبقى مقاومتنا راسخة في الميدان ومتجذرة فوق ارضنا بعز عزيز أو بذل ذليل.