09:00 ص
الجمعة 04 أكتوبر 2024
كتب- محمد سامي:
بعد نجاح عملية العبور وفي خضم المعركة، قامت طائرات الاستطلاع الأمريكية بإبلاغ إسرائيل بوجود ثغرة بين الجيشين الثاني والثالث المصريين.
استغلت إسرائيل هذه المعلومات في وضع خطة يوم 11 أكتوبر للعبور إلى الضفة الغربية للقناة، محاولين إحراز أي تقدم عسكري قبل صدور قرار متوقع من الأمم المتحدة بوقف إطلاق النار.
جاء ذلك بالتزامن مع قرار القيادة السياسية المصرية بتطوير الهجوم يوم 14 أكتوبر بهدف تخفيف الضغط على الجبهة السورية.
وقد كلفت هذه المهمة للفرقة بقيادة الجنرال أرئيل شارون، التي تضم ثلاثة ألوية مدرعة بقيادة آمنون ريشيف، توفيا رافيف، وحاييم آريز، بالإضافة إلى لواء مظلات بقيادة العقيد داني مات.
كانت المهمة الأساسية لـ”شارون” هي تأمين المحاور الرئيسية التي ستتحرك عليها القوات والمعدات للعبور، وهما محور “أكافيش” (طريق الطاسة- تل سلام) ومحور “طرطور”، الذي تم شقه وتجهيزه قبل الحرب لتحريك الكبارى الضخمة والمعدات إلى نقطة العبور في الدفرسوار.
ومع ذلك، واجهت الخطة الإسرائيلية عقبة كبيرة تتمثل في وجود قطاع اللواء 16 مشاة التابع للجيش المصري، والذي كان يشرف على أجزاء عديدة من المحورين أكافيش وطرطور. كانت الدفاعات الأمامية لهذا اللواء تقع في الجزء الأخير من محور طرطور، لذا كان تدمير اللواء 16 مشاة واحتلال مواقعه الدفاعية من الأهداف الرئيسية لخطة تأمين معبر الدفرسوار.
التقت “” باللواء أ.ح. درويش حسن درويش من سلاح المشاة، والذي شارك في معركة “المزرعة الصينية”، ليحدثنا عن تفاصيل المعركة وكيف استطاعت القوات المصرية تحقيق انتصار عسكري جديد وتحويل تلك الثغرة إلى فخ كبير للإسرائيليين.
في البداية، أكد اللواء درويش حسن أن أبرز إنجاز في حرب أكتوبر كان الإعداد الجيد والتحضير المتقن، حيث أن التدريب القاسي الذي خضعوا له قبل الحرب جعل المعركة أسهل مما كانوا يتوقعون. وأوضح أنه كان لديهم قاعدة تقول: “العرق في التدريب يوفر الدماء في المعركة”.
تدربت القوات في منطقة مشابهة لخط بارليف في ترعة الخطاطبة، حيث تم بناء ساتر ترابي ونقاط حصينة مشابهة للخط، وتدرب الجنود على العبور واقتحام هذه النقاط وتدميرها، مما جعل التدريب محاكيًا لما سيواجهونه في المعركة.
عندما حان وقت الصفر الذي لم يُعلن عنه إلا قبل ساعات قليلة، وكان اللواء درويش يحمل رتبة النقيب حينها، جاءت الأخبار يوم السادس من أكتوبر في الثانية عشرة ظهرًا بقرار العبور، وأن البداية ستكون في الثانية ظهرًا. انطلقت الضربة الجوية الناجحة، تبعتها التمهيد النيراني، وعبور القوات وفقًا للخطة. كانت قوات المشاة هي أول من عبر قناة السويس، وفق خطة عبور محددة على هيئة موجات موجهة، مؤكدًا أن السبب الرئيسي في النصر هو إعداد المسرح والفرد والمعدات، وكل التحضيرات التي قامت بها الدولة للحرب، مما ساهم في تحقيق انتصار سريع في الأيام الأولى لحرب أكتوبر.
حول معركة “المزرعة الصينية”، أوضح اللواء درويش أن المزرعة كانت قطعة أرض استأجرتها الحكومة المصرية لإجراء اختبارات لاستزراع أراضي سيناء في الخمسينيات، سُميت بالمزرعة الصينية لأن الجنود الإسرائيليين عثروا على أدوات ومعدات مكتوب عليها باللغة اليابانية، وظنوا أنها صينية، مما أطلق عليها هذا الاسم.
أضاف أن العدو الإسرائيلي عندما قرر إحداث ثغرات في معركة الدفرسوار بدأ في دراسة أضعف النقاط لدى الجيش المصري لاختراقها. كانت هذه المعركة مصيرية بالنسبة للعدو، حيث بذل مجهودًا كبيرًا وتكبد خسائر تفوق التوقعات، وكان لديه هدف سياسي يتمثل في إحداث وجود لقواته في تلك المنطقة الحيوية.
لكن، كانت القوات المصرية لها بطولات عظيمة، حيث فشل العدو في اختراق “اللواء 16” باستخدام الوحدات المدرعة، مما دفعه لاستدعاء لواء مظلي للقتال كمشاة مترجلة، وهو ما يعد استخدامًا غير فعال لقوات المظلات. اصطدم العدو بالحد الأمامي لدفاعات القوات المصرية، وواجه حزام النار الكثيف، الذي يغطيه نيران الجنود. وعندما فشلت محاولة اختراق اللواء 16، استدعى العدو لواء مظلات آخر لكن دون جدوى.
وأشار “درويش”، إلى الدور الذي لعبه المشير محمد حسين طنطاوي، الذي كان قائدًا للكتيبة 16 مشاة، حيث أصدر أوامره بوقف إطلاق النار لإغراء القوات الإسرائيلية للتقدم نحو المزرعة الصينية. بالفعل، تقدمت القوات الإسرائيلية حتى أصبحت في مرمى نيران القوات المصرية، وفتح الجنود جميع الأسلحة على قوات المظلات، مما أدى إلى تكبد العدو خسائر فادحة، حيث سقط مئات القتلى ودمرت العشرات من الدبابات والعربات العسكرية.
تحولت الثغرة التي استهدفها العدو لتحقيق انتصار إلى فخ كبير، وصارت المزرعة الصينية مقبرة جماعية للجنود الإسرائيليين، مما أحدث صدمة كبيرة لقادة العدو مثل ديان وشارون. ورغم نجاته، عانى الكولونيل عوزى يائيرى قائد قوات المظلات من آثار نفسية سلبية نتيجة ما حدث لقواته على يد أبطال الجيش المصري.