إبادة البيئة في القطاع… قتل الغزيين على “كل” المستويات

إبادة البيئة في القطاع… قتل الغزيين على “كل” المستويات مصطفى إبراهيم – في ظل غياب الفحوصات الرسمية، يحتمل أنّ تصل نسبة تلوث مياه البحر الى أكثر من 85 في المئة، ما سينعكس على البيئة البحرية وعلى السكان الذين يدخلون البحر، كالصيادين والمنقذين البحريين والراغبين في السباحة، وعلى النازحين الذين يجدون في شاطئ البحر ملاذهم الوحيد من الحر الشديد داخل الخيام. ‏ما زالت إسرائيل مستمرة في ارتكاب مجازر يومية في قطاع غزة، مع مرور عام على حرب الإبادة، وتجاوز عدد القتلى الـ40 ألفاً، وعرقلة حكومة نتانياهو جهود الوصول إلى اتفاق وقف إطلاق نار. يتزامن هذا كله مع حملة تطعيم ضد فيروس شلل الأطفال، بعد اكتشافه ضمن عيّنات أُخذت من مياه الصرف الصحّي في قطاع غزّة. الدمار، التهجير المستمر، غياب الشروط الملائمة لحياة، انعدام البنى التحتية، وتلوث المياه الباطنية والأراضي الزراعيّة… كلها عوامل تدخل ضمن استراتيجيّة الإبادة، ونفي أسباب استمرار الحياة بأشكالها كافة في قطاع غزة. ذكرت مصادر في الأمم المتحدة أخيراً، إثر حساب عدد الشاحنات وعدد الأيام التي تعمل بها المعابر المغلقة، أن عملية إعادة تأهيل الخيام بالشوادر للنازحين في قطاع غزة قبل فصل الشتاء، والتي أصبحت متهالكة، قد تستغرق عامين بسبب القيود الإسرائيلية والحصار المفروض، أي تنفي حرب الإبادة فرصة للأمان، سواء في خيمة أو مركز إيواء. وفي خضم ذلك، يستهدف الجيش الإسرائيلي البيئة الفلسطينية بشكل مقصود، إذ طاول التدمير البنية التحتية لقطاعات المياه والصرف الصحي والنفايات الصلبة والسائلة والتربة، وألحق ضرراً كبيراً بالبيئة الهوائية، وسبّب تلوثاً سمعياً، ذلك كله ساهم في انتشار الأوبئة والأمراض المختلفة، ما يضع سكان قطاع غزة أمام خطر الموت بسبب الكارثة البيئية التي تسبّب بها عمداً الجيش الإسرائيلي. “مستنقعات سامة” وبيئة خصبة للأمراض في تقرير صادر عن مركز الميزان لحقوق الإنسان في قطاع غزة، حول إبادة الجيش الإسرائيلي مكونات البيئة، نقرأ كيف يتم استهداف قطاع المياه، الذي يعدّ أحد مكونات البيئة الرئيسية، ما تسبب في معاناة شديدة لسكان قطاع غزة وصعوبة حصولهم على حد أدنى من المياه، لا سيما النازحين، نتيجة التدمير الممنهج لآبار المياه وشبكات نقل المياه وتوزيعها، ما ساهم في انتشار الأمراض الجلدية والتنفسية والتهاب الكبد الوبائي.  تحدثنا في “درج” مع نائب مدير مركز الميزان سمير زقوت، فقال: “التدمير الممنهج لآبار المياه وشبكات نقل المياه وتوزيعها، أدى إلى انخفاض كميات المياه التي تصل الى السكان بشكل خطير، بحيث تصل نسبة الانخفاض إلى نحو 70 في المئة من إجمالي المياه التي تضخ في شبكات المياه، ما تسبب في تناقص ملحوظ في حصة الفرد من المياه خلال الحرب، بحيث أصبحت لا تتعدى الثمانية لترات في اليوم”.  يشير التقرير إلى أن الجيش الإسرائيليّ دمّر ما نسبته 70 في المئة من البنية التحتية للمياه، ويقدر طول شبكات المياه المدمرة كلياً أو جزئياً بنحو 180 ألف متر طولي. كما أُخرجت عن الخدمة نحو 203 آبار مياه جوفية، من مجموع 319 بئراً في قطاع غزة، بسبب التدمير الكلي أو الجزئي أو بسبب عدم إمكانية الوصول إليها وتشغيلها. ودُمر أيضاً نحو 33 خزاناً للمياه، من إجمالي 50 خزاناً رئيسياً في القطاع. بالإضافة إلى تدمير أكثر من 500 نقطة ومحبس.   كذلك، طال التدمير شبكات الصرف الصحي، وانتشرت النفايات السائلة بين الخيم والركام، خصوصاً أن محطات المعالجة ومحطات الضخ والشبكات في مختلف المناطق دمرت؛ ما خلّف “مستنقعات” من المياه الملوثة، كانت سبباً في نقل الأمراض والأوبئة وشكلت مكاناً لتوالد الحشرات الضارّة وانتشارها. ويظهر التقرير الصادر عن مركز الميزان لحقوق الإنسان في قطاع غزة حول إبادة الجيش الإسرائيلي مكونات البيئة، تدمير الجيش الإسرائيليّ مئات الكيلومترات  من أنابيب مياه الصرف الصحي، ومحطات المعالجة المركزية الخمس في القطاع، ونحو 45 مضخة دمرت كلياً أو جزئياً. هذا بالإضافة إلى أكثر من 5 آلاف متر طولي من شبكات تصريف مياه الأمطار والمياه السطحية. كما تسبب الركام في انسداد الشبكات المتبقية، ما أدى الى طفح المياه العادمة في الشوارع، وداخل بعض مراكز الإيواء، وتجمعها في برك كبيرة.  وإثر الدمار، تمت زيادة ضخّ مياه الصرف الصحي إلى البحر من دون معالجة، حيث تقدّر الكميات غير المعالجة التي تصل بحر القطاع بأكثر من 130,000 متر مكعب يومياً، وهو الأمر الذي أحدث مشكلة بيئية حقيقية، بخاصة مع لجوء أعداد كبيرة من النازحين إلى شاطئ البحر، وإقامة خيامهم على رمال الشاطئ، فلم يقتصر التلوث على رمال البحر فقط، بل طاول الآلاف النازحين وخيامهم وممتلكاتهم عند كل مد بحري. وفي ظل غياب الفحوصات الرسمية، يحتمل أنّ تصل نسبة تلوث مياه البحر الى أكثر من 85 في المئة، ما سينعكس على البيئة البحرية وعلى السكان الذين يدخلون البحر، كالصيادين والمنقذين البحريين والراغبين في السباحة، وعلى النازحين الذين يجدون في شاطئ البحر ملاذهم الوحيد من الحر الشديد داخل الخيام. جبال من النفايات طاولت حرب الإبادة قطاع النفايات الصلبة؛ فتكدست مئات الأطنان من النفايات في الشوارع والساحات العامة في مختلف مناطق قطاع غزة، بخاصّة في محيط مخيمات النازحين. ويظهر التقرير أن كمية النفايات في وسط قطاع غزة وجنوبه، ارتفعت إلى 1,400 طن يومياً في حين كانت 500 طن فقط قبل الحرب، وتكدّس نحو 500,000 طن من النفايات في 40 مكباً مؤقتاً للنفايات، مع انتشار المكبات العشوائية. وتراكم في مدينة غزة وشمالها نحو 210,000 طن من النفايات في 150 مكباً عشوائياً مؤقتاً. وتوقفت عمليات فرز النفايات الطبية التي تنتجها المستشفيات الحكومية في القطاع، والتي تقدر بنحو 3471.5 كغم/ يومياً من النفايات غير الخطرة، و33 كغم/ يومياً من النفايات الخطرة. وأنتجت الهجمات العسكرية كميات هائلة من ركام المنازل والمنشآت المدمرة، بعد ارتفاع عدد الوحدات السكنية المدمرة كلياً إلى نحو 79,000 وحدة، وأكثر من 25,010 مبنى، دمّر بشكل كلي، فيما تضرر نحو 290,000 من الوحدات السكنية جزئياً، إلى جانب الأضرار التي لحقت بمباني المنشآت العامة والخاصة. تدمير التربة والغطاء الأخضر وتلويث الهواء تعرضت مكونات التربة لأضرار لا يمكن حصرها؛ جراء الانفجارات الهائلة التي طاولتها، سواء تربة المناطق العمرانية أو التربة الزراعية، فكانت الخسائر كبيرة وحجم الضرر كبيراً، بخاصّة على الزراعة النباتية والحيوانية. وتضاعفت معاناة المزارعين والعاملين في المهن الزراعية، كما تضررت أوجه الزراعة الحيوانية كالأبقار والأغنام (اللاحمة والحلوب) أو مزارع الطيور كالدواجن (اللاحمة والبياضّة) والحبش. كما دمرت تماماً مزارع الأسماك سواء بالقصف أو بانعدام الطاقة والمواد الضرورة لتغذية الأسماك. ووفقا لما تناوله التقرير، جرّف الجيش الإسرائيلي ودمّر نحو 38-48 في المئة من الغطاء الشجري، وأكثر من 65 كيلومتراً مربعاً من الأراضي المزروعة، وتعمّد استهداف الأشجار المعمرة والكبيرة مثل الأشجار المنتجة كالنخيل والجميز والتوت وأشجار الفواكه، وأشجار الكينا والسرو وغيرها، التي تمنع انجراف التربة وتحافظ على حيويتها وتحد من تطرف المناخ. وأثّر تدمير الغطاء الشجري على التنوع البيولوجي في قطاع غزة، الذي يحتوي على ما بين 150 إلى 200 نوع من الطيور، سواء المتوطنة أو المهاجرة، بخاصة منطقة وادي غزة، كنتيجة لإبادة البيئة الطبيعية. وحسب ما ذكره زقوت، فإن أثر حرب الإبادة في تلويث الهواء كبيراً، جراء انتشار الأدخنة بكثافة، والقصف الجوي والمدفعي للمناطق السكنية والأراضي الزراعية، إضافة إلى القنابل الدخانية والقذائف الفوسفورية التي تطلقها إسرائيل تجاه تلك المناطق.  حجم القذائف والمتفجرات التي ألقتها قوات الاحتلال على قطاع غزة، والتي تقدر بنحو 85 ألف طن، تسبب في تدمير 80 في تدمير من البنية الحضرية و90 في المئة من البنية التحتية، إضافة إلى الانبعاثات الغازية المصاحبة للكميات الكبيرة من المتفجرات التي ألقيت على القطاع.  ويتجاوز أثر الانفجارات قطاع غزة ليمسّ بدول الجوار، بخاصة أن الغبار والذرات الميكرونية، سواء المعادن أو ذرات أخرى، تتحول إلى كتل هوائية تصل الى شرق البحر المتوسط، وتمثل خطراً كبيراً للغاية على البيئة، كون الذرات الميكرونية تستنشق وتدخل إلى الجسم والغذاء، ولذلك فإن نتائج كارثية. التلوّث السمعي  ينوّه سمير زقوت بأن سكان قطاع غزة يعانون من تلوّث سمعي- يسمى أيضاً بالتلوث الصوتي أو الضوضائي- وهو متواصل جراء استمرار أصوات الانفجارات، واستمرار تحليق الطائرات الحربية، وبخاصة الطائرات بدون طيار، إذ تصدر أزيزاً غير منقطع، له تأثيرات صحية وعصبية ونفسية على الإنسان.  نتائج القراءات التي أجراها مركز الميزان على تطبيق عداد الصوت لقياس الضوضاء في الهاتف المحمول خلال كل توقيت من التوقيتات الأربعة المختارة طوال اليوم، والتي أظهرت مؤشرات مرتفعة للضوضاء، تتخطى الحدود المسموح بها وفق المواثيق الدولية، لا سيما معايير منظمة الصحة العالمية. من لم يُقتل بالصواريخ يُقتل بالجوع والعطش والمرض والأوبئة، ومن يعالج من الأوبئة يُقتل مرة أخرى بالصواريخ، فلا لقاح يحمي من الصواريخ والجوع والعطش، والحشرات  والقوارض، والكميات الكبيرة من النفايات المتكدسة بين السكان والنازحين.