رفض الجيش الإسرائيلي دخول سائقين إلى قواعد عسكرية أثناء العدوان على قطاع غزة، في أيار/مايو الماضي، بحيث فرض عليهم التغيب عن العمل، حسبما ذكرت صحيفة “هآرتس” اليوم، الأحد. ويأتي ذلك خلافا لتقرير ذكر قبل نحو أسبوعين أن السائقين العرب تغيبوا عن العمل إثر الإضراب الذي أعلنت عنه الأقلية العربية احتجاجا على العدوان على غزة واعتداءات الشرطة الإسرائيلية على المواطنين في القدس المحتلة والمواجهات التي دارت في المدن الساحلية في مناطق الـ48.
ونقلت الصحيفة عن مصادر مطلعة قولها إن الجيش الإسرائيلي سمح بالنشر عن “تغيب” السائقين العرب لأسباب متعلقة بالصراعات على ميزانية الأمن التي يخوضها مقابل وزارة المالية.
وكانت صحيفة “يديعوت أحرونوت” ذكرت، في 16 تموز/يوليو الحالي، أن 40 سائقا من أصل 500 سائق شاحنة وحافلة تغيبوا عن العمل خلال العدوان على غزة، ونقلت عن مصادر قولها إن تغيبهم “ألحقت ضررا خطيرا بالقدرات العسكرية” وأنهم بتغيبهم أحبطوا مناورة للجيش الإسرائيلي، كانت تقضي بتضليل مقاتلي حماس وشن هجوم كاسح ضدهم.
إلا أن “هآرتس” نقلت اليوم عن مصدر أمني ضالع في استدعاء أعمال من مقاولين أثناء العدوان، قوله إن “غرفة قيادة العمليات في الشعبة التكنولوجية واللوجيستية أصدرت تعليمات تقضي بحظر دخول عدد كبير من أبناء الأقليات إلى القواعد العسكرية”.
وحسب المصدر نفسه وعدد من المقاولين ومصادر أخرى في جهاز الأمن الإسرائيلي، فإن الجيش سمح بنشر تلك الرواية حول تغيب السائقين عن العمل في إطار الصراع مقابل وزارة المالية حول توسيع منظومة نقل قوات ومعدات عسكرية، مثل الدبابات وناقلات الجند. وقال المصدر الأمني إن “هذه خدعة علاقات عامة. وجرت على أكتاف العرب وغايتها الحصول على ميزانية إضافية لتمويل تشغيل سائقين وشاحنات”.
وأشارت “هآرتس” إلى أن بحوزتها وثائق توثق الاتصالات بين الجيش وشركات مدنية، ويتبين منها أن تغيب السائقين لم ينجم عن عدم رغبتهم بالعمل، وإنما نتيجة لرفض الجيش السماح بتشغيلهم. ولاحقا، في أعقاب توجه مندوبين عن الشركات المدنية، “تم تقليص هذه التعليمات”.
وكان الجيش الإسرائيلي قد توجه في بداية العدوان على غزة إلى مقاولي نقليات وتزويد منتجات يعملون مع وزارة الأمن، وطلب تزويد عتاد ونقل دبابات وناقلات جند ومدافع إلى الحدود مع قطاع غزة. كذلك استدعى الجيش أعمال بنية تحتية من أجل بناء مواقع إطلاق نار وإعداد مناطق لتجميع الجنود فيها وتزويد منتجات للقواعد العسكرية. وأرفق باستدعاء هذه الخدمات تعليمات تقضي بمنع تشغيل عرب، الذين وُصفوا بـ”أبناء أقليات”.
وقال أحد المقاولين للصحيفة إن “سائقي الشاحنات ومُشغلي الآليات الثقيلة هم غالبا عاملون من المجتمع العربي. وهذا مجال لا يريد اليهود العمل فيه، فهذا عمل صعب. وهذه التعليمات مفاجئة على إثر الحقيقة أن الكثير من هذه الشركات هي بملكية عربية. كما أن سائقين الذين ينقلون الطعام أو الجنود إلى القواعد العسكرية الكبرى، أو أولئك الذين يطالبون بتحميل عتاد في القواعد العسكرية، لم يتمكنوا من تنفيذ هذه الأعمال أيضا”.
وبعث المقاولون رسالة مشتركة إلى الشعبة اللوجستية، جاء فيها أنه “بعد محادثات مع شعبة الهندسة والبناء في وزارة الأمن، تبين أن التعليمات واسعة جدا وتقيّد المقاولين بشكل كبير”. واقترحوا التمييز بين السائقين والسماح بعمل “أبناء الأقليات الذين يحملون تصنيفا أمنيا”. وأضافوا أنه “توجد حالات كثيرة تصل فيها المواد التي يتم تزويدها إلى موقع مع سائق من أبناء الاقليات، ونحن نعتقد أنه في حالة كهذه ينبغي أن ترافقهم قوة عسكرية”.
وبعد ذلك تم التوصل إلى اتفاق بين الجانبين، وقررت الشعبة اللوجيستية أنه “بالإمكان تشغيل أبناء اقليات خارج المعسكرات، وبالإمكان إدخال أبناء اقليات من أجل تزويد مواد بناء وبنية تحتية إلى المعسكرات بالتنسيق ومرافقة قوة عسكرية فقط. وبالإمكان تشغيل أبناء أقليات الذين خدموا في الجيش الإسرائيلي داخل المعسكرات”. وأضاف الجيش أنه “لا توجد مصادقة على أبناء أقليات لم يخدموا في الجيش”.
وقال أحد المقاولين للصحيفة إن “سائق شاحنة ينقل يوميا بضائع، تراب، أو آليات ثقيلة لا يهمه ماذا ينقل وإلى أين. ولم يكن هناك سائقا واحدا رفض العمل خلال أيام العملية العسكرية للأسباب التي ذكرت، وفي الجيش الإسرائيلي علموا بذلك وسكتوا. وسمحوا للعالم كله بتشويه سمعة سائقين ينفذون عملا شاقا من أجل كسب الرزق. وهذا أمر لا يشرف الجيش الإسرائيلي”.
وسيستعرض رئيس الشعبة اللوجيستية، إيتسيك ترجمان، أمام رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، أفيف كوخافي، نتائج تحقيق حول الموضوع.