في ظل الترقب الكبير الذي يشهده العالم لأحد أهم الظواهر التي تشهد على براعة المصريين القدماء في علم الفلك خلال الساعات المقبلة، وهي تعامد الشمس على وجه الملك رمسيس الثاني، فقد يظن البعض أن أبو سمبل، وهو المعبد الذي ستحدث فيه الظاهرة، هو الوحيد الذي يتميز بتعامد أشعة الشمس عليه، ولكن هناك بعض المعابد المصرية أيضًا تتمتع بنفس هذه الميزة الساحرة، وهذا بحسبما ذكره الخبير الأثري والمتخصص في علم المصريات، الدكتور أحمد عامر، خلال حديثه لـ«».
تعامد الشمس على وجه رمسيس الثاني
في الساعات المقبلة، سيتوافد آلاف السياح أمام معبد أبو سمبل في أسوان، وذلك رؤية واحدة من أعجب الظواهر التي تثبت براعة وقدرات الفراعنة في علم الفلك، وهي تعامد أشعة الشمس على وجه أحد أبرز ملوك مصر القدماء، رمسيس الثاني، في ظاهرة عجيبة تحدث مرتين كل عام، وذلك في الثاني والعشرين من شهري فبراير وأكتوبر.
وأوضح خبير الآثار أن هذه الظاهرة لا علاقة لها بيوم ولادة رمسيس الثاني أو ذكرى توليه الحكم كما هو شائع، إذ أننا لا نمتلك أي أدلة قوية تثبت ذلك، ولكن «عامر» أشار إلى براعة المصريين في علوم الفلك، وأن عدم معرفتنا الحالي لسبب الظاهرة، لا يقلل أبدًا من أهميتها أو قدرات المصريين المذهلة في هذا المجال، مدللًا بوجود 14 معبدا مصريا آخر تتعامد عليها أشعة الشمس كل عام، وذلك لنفي أي أقاويل تزعم أن الظاهرة تحدث بالصدفة.
تاريخ ظاهرة التعامد في معابد مصر
استعرض «عامر» تاريخ هذه الظاهرة، موضحًا أن عملية التعامد مسجلة على الأرض في قدس الأقداس بمعبد «هيبس» وتسمى «الأخت»، ويرجع تاريخها في الغالب إلى بدء إنشاء المعبد، أو إلى إحدى المناسبات المرتبطة بإله المعبد في هذه الفترة أو يوم ميلاده أو يوم جلوسه على العرش، وتعامدت الشمس على اللوحة الشمسية بداخل المعبد، في حدث يتكرر في يومي السادس من شهر سبتمبر، والسابع من شهر أبريل في كل عام، إذ تتسلل أشعة الشمس بمدخل المعبد الرئيسي بزاوية 82.6 درجة باتجاه عقارب الساعة.
ويتزامن تعامد الشمس على قدس أقداس المعبد، مع الاحتفالات التي كانت تُقام بالمعبد، ونجد أن الحضارة المصرية القديمة كانت تدرس إقامة المعابد بشكل علمي ومدروس من خلال حسابات معقدة قام بها المصري القديم وحسابات شروق الشمس وغروبها، ومعرفة مدارات الكواكب ووضع التقويم الخاص بها، وتبرز هذه الظواهر براعة القدماء المصريين في علوم الفلكية والهندسية.
معبد الكرنك
ذكر الخبير الآثري، أن هناك معابد أخرى تتعامد عليها أشعة الشمس بجانب معبدي «هيتس» و«أبو سمبل»، مثل معبد «الكرنك»، وأوضح أن ظاهرة تعامد الشمس على مقصورة قدس الأقداس بالكرنك تكون سنوياً بيوم 21 ديسمبر من كل عام، فهي تعلن عن الانقلاب الشتوي، وبدء فصل الشتاء رسمياً، وتم رصد أن التعامد الشمسي ظاهرة فلكية تكون فيها الشمس على أبعد درجة زاوية من مستوى خط الاستواء وتكون متعامدة على مدار الجدي، ويتم رصد الظاهرة في يومي 21 أو 22 ديسمبر من كل عام، ويكون فيه النهار هو أقصر نهار والليل هو أطول ليل، ونجد أن الشمس في ذلك اليوم تكون على أدنى ارتفاع لها ظهرًا على الأفق، ويظهر ذلك بتعامد الشمس على تمثال «آمون»، وسط معبد الكرنك لمدة 20 دقيقة.
معبد حتشبسوت
وأشار «عامر» إلى أن معبد الملكة حتشبسوت المنحوت في الصخر من أروع المعابد المصرية، والذي شُيِّد في القرن الرابع عشر قبل الميلاد، وتم توجيه قدس أقداس المعبد بعناية من قبل المهندس الفلكي «سننموت» لتضيء شمس الشتاء مقاصيره المقدسة، وتتعامد عليه يومي السادس من يناير والتاسع من ديسمبر كل عام، واحتفل المصريون القدماء في يوم 6 يناير بعيد «حتحور»، كما احتفلوا في يوم 9 ديسمبر بعيد «حورس»، ويأتي تعامد الشمس خلال هذين اليومين تجسيدا لانبثاق النور من الظلام، لذلك اهتم المهندسون المصريون القدماء بتوجيه أغلب معابدهم ومقاصير المقدسة تجاه نقاط للشروق محددة تتوافق مع مناسبات دينية مهمة على مدار العام، ما يجعل البنايات المصرية القديمة تراثاً فلكياً إنسانياً ومرجعية للدراسات الفلكية القديمة في العالم.
معبد قصر قارون
وتابع عالم المصريات الكبير حديثه، مشيرًا إلى معبد قصر قارون، الذي تتعامد الشمس على قدس الأقداس به، وتتكرر هذه الظاهرة الفلكية الفريدة صباح يوم 21 من شهر ديسمبر من كل عام، وتستمر قرابة 25 دقيقة، والمعبد يرجع تاريخه إلى العصر البطلمي، وكانت غرف القصر تستخدم لتخزين الغلال، كما يضم ما يقرب من مائة حجرة، تم إنشاؤها لتستخدم في تخزين الحبوب والغلال، واستخدامات كهنة المعبد في هذا الوقت، ويضم المعبد العديد من المتاهات والسراديب.