“إنها ليست غيتوات” في غزة، ولكن “أحياء محمية تحيطها جدران”، يقول موطي كهانا، الإسرائيلي – الأميركي، متحدثاً عن مخطط شركة “جي دي سي” التي يملكها، واختارتها دولة الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة، لتولّي توزيع المساعدات الإنسانية في قطاع غزة، محاولاً إبعاد الشبهة عن نفسه وشركته، في مشهد اليوم التالي لـحرب الإبادة على القطاع. لكن يبدو أن نفيه صفة “الغيتو” عن الأحياء ليست من قبيل الصدفة، ولكن شيئاً ما ذكّره فيها، قبل دخوله غزة بقوات جنود وحدات نخبة سابقين، في الجيشين الأميركي والبريطاني بالأساس.
والغيتوات مصطلح عُرف في الحرب العالمية الثانية، وهو عبارة عن أحياء ضمن مدن وبلدات في أوروبا الشرقية التي كانت تحتلها ألمانيا، واضطر اليهود للعيش فيها بمعزل عن المجتمع الأوسع. ونصّب كهانا نفسه أيضاً حاكماً جديداً في القطاع، في حديث لصحيفة يديعوت أحرونوت، اليوم الثلاثاء، ملوّحاً باستخدام القوة والرصاص ضد سكان غزة، من أجل بسط السيطرة على الأحياء.
ويقول إنه سيتم إغراق الأحياء بالطعام، ما يمكن اعتباره نزعاً لصفات بشرية عن سكان غزة، وكأن حياتهم تتوقف على تناول الطعام. ويوضح كهانا في حديثه للصحيفة، “نحن لا نأتي من أجل استبدال الجيش الإسرائيلي، والبحث عن عناصر حماس وقتلهم، وإنما لحماية المساعدات الإنسانية والحرص على أن تصل إلى المدنيين الغزيين”، زاعماً أن “هذا سيمنح مستقبلاً جيداً لسكان غزة”، ومضيفاً أنه “سيتيح لإسرائيل التركيز في حربها على الإرهاب حيث تحتاج ذلك”. وبرر الاستعانة بشركته بأن “الجيش الأميركي يجلب أيضاً أحياناً مقاولين، وهكذا يجب النظر إلينا”.
ويتحدث كهانا عن تأمين “فقاعات إنسانية”، ستكون “أشبه بأحياء محمية محاطة بجدران، ومعقّمة من الإرهابيين”، على حد تعبيره. وذكرت الصحيفة العبرية، أن الاتصال بين الشركة ووزارة الأمن الإسرائيلية، والولايات المتحدة الأميركية، بدأ منذ سبعة أشهر، ولكنه نضج في الآونة الأخيرة.
قد يُفسر هذا من جهة تجويع أهالي غزة، ضمن مخطط إسرائيلي لتجوعيهم وتهجريهم، عدا عمن تتم إبادتهم، مقابل استهداف المنظمات الإنسانية الفاعلة في القطاع، بما فيها منظمة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا)، ورفض الاحتلال عملها في القطاع، لتحيل مصير السكان إلى هذه الشركة وقوتها المكونة من عسكريين سابقين، ما قد يشكّل احتلالاً من نوع آخر لغزة، وضمان السيطرة الإسرائيلية على القطاع ما بعد العدوان، هذا إضافة إلى استمرار وجود جيش الاحتلال فيها، عطفاً على تصريحات إسرائيلية كثيرة أكدت تمسك إسرائيل بجزء من مساحة القطاع على الأقل تحت مسميّات المناطق العازلة وغيرها.
وسبق أن أعلنت إسرائيل أن المنظمات الدولية لا تستطيع توزيع المساعدات الإنسانية، بزعم سرقتها على يد حركة حماس، ما يتيح لها البقاء في السلطة. ولا يمكن النظر إلى الشركة بمعزل عن أن مالكها إسرائيلي أميركي، والنيات الإسرائيلية من وراء اختيارها تحديداً، وحديثه للصحيفة عن ضم “عدد من كبار المسؤولين الإسرائيليين السابقين من جهاز الموساد ووحدة اليمام وغيرهم”، ليكونوا مسؤولين عن غرفة القيادة الأمامية، بحجة تفادي وقوع أخطاء تسفر عن تبادل لإطلاق النار بين قوات الاحتلال الإسرائيلي وقوات الشركة.
“مدمنون على الحرب”
ويقول كهانا أيضاً: “أنا فعلياً مقاول للتنفيذ والشركّة مكوّنة من جنود سابقين من خريجي وحدات مختارة من الولايات المتحدة وإنجلترا وفرنسا، والمشترك بينهم جميعاً أنهم ليسوا يهوداً”. ويضيف أن موظفيه اكتسبوا خبرتهم على مدار 25 عاماً في العراق وأفغانستان، وأن الشركة “مكوّنة من مدمني حرب، ممن يحبون قتال الأشرار، ويؤمنون بأن هذا هو الأمر الصحيح لفعله”.
وفي رده على سؤال إن كانوا لا يخافون “حماس” وما قد يحدث في غزة، يجيب كهانا “نحن نخاف، ولكن لدينا خبرة للحرص على ألم الموت. أنت تثق بالوسائل التي لديك وبالخلفية التي لديك، وهؤلاء الأشخاص حاربوا طوال حياتهم ضد الإرهاب”.
“عمدة جديد وصل إلى غزة”
وفي حديثه عن كيفية التعامل مع احتمال محاولة الاستيلاء على قوافل المساعدات، يقول مهدداً ومتوعداً سكان غزة قبل “حماس”، “في حال كانت هناك محاولة لسرقة القوافل، فهناك بداية فريق أولي يصل مع وسائل دفاعية غير قاتلة، فالخط الأول لا يصل من أجل القتال، وإنما يستطيع أن يردع، مع رصاص مطاطي ومياه، وإطلاق نار بالهواء. ولكن في حال لم يساعد هذا، يصل عندها الفريق الثاني. وفي حال حدوث شيء، سنوصل رسالة إلى سكان غزة: يجب ألا تعبثوا معنا. أنا أعد بأن هذه الرسالة ستصل سريعاً. سيدركون أن عمدة (حاكماً) جديداً وصل إلى المدينة. في البداية ستكون هناك بعض الفوضى، ولكن سيفهمون ذلك سريعاً. الأمر المهم أنهم سيكتشفون وجود الطعام في الحي المحمي، مخبز وروضة للأطفال، نحن أولئك الذين سنعدّ لليوم التالي في غزة”.
“ليست غيتوات”
وبالحديث عن طبيعة الأحياء التي ستتم إقامتها، يشرح كهانا أنه “من المهم بالنسبة لي التأكيد أننا لا نتحدث عن غيتوات. سيكون بإمكان الناس الخروج والدخول من الأحياء المحمية. سيكون في الحي الكثير من الطعام ومدارس رائعة، وسريعاً سترغب كل غزة أن تبدو على هذا النحو. وسنبني حياً بعد الآخر. سيقدم كل العالم الأموال إذا رأى أن هناك أملاً، وفي بغداد حدث الشيء ذاته”، على حد تعبيره. وكما أشرنا سابقاً، كان لافتاً حديثه عن الغيتو وإن نفاه، ما قد يحمل مؤشرات على ما سيكون المخطط عليه إن نُفّذ.
ويؤكد كهانا في الوقت نفسه، التنسيق التام طوال أيام الأسبوع وعلى مدار الساعة، مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، وأن “الخطة الأميركية هي إغراق غزة بالكثير من الطعام، إذ إنه بسعر السكر، لا تكون هناك جدوى من سرقته”. وحول التكاليف، يقول: “لقد قلنا للأميركيين إنكم أهدرتم 350 مليون دولار على إقامة ميناء غرق في البحر بعد ثمانية أسابيع. أما نحن فمنحنا الأميركيين تخفيضاً: 200 مليون دولار لستة أشهر ولن يغرق”.