الشبح والخزانة..
2024 Oct,28
مثل شبح باهت عاد إلى مكانه الطبيعي في خزانة الأشباح القديمة، يهبط الرئيس الأميركي «جو بايدن» السلم المؤدي إلى القبو، تاركا أثرا شاحبا لرجل مهتز يصعب تذكره خارج سلسلة من خسائر متفاقمة ومفقودات كثيرة وأخطاء تتسبب بها الغفلة والنسيان وضعف البصيرة، شخص لم يعد مهما منذ وقت طويل، ويبدو في أفضل أحواله زائدا عن الحاجة، ولكنه يواصل التذكير بنفسه دون أن يتوقف عن التمتمة والحديث مع «لا أحد»، بحيث بدا في الأسابيع الأخيرة كمن يتكلم مع نفسه.
الأشياء تحدث خارج إدراكه تماما، حملة نائبته التي تواصل الابتعاد عنه وعن ارثه، «أنا أمثل جيلا جديدا من السياسيين في أميركا» تقول «كمالا هاريس». منافسه ترامب كبر فجأة في السن بعد دفعه خارج السباق والذي يبدو الخاسر الأكثر تضررا من غياب «جو النعسان»، كما كان يسميه، منافسه الذي حوله إلى «كيس ملاكمة» يبدو الآن رجلا في الثامنة والسبعين بكتفين متهدلتين. «نتنياهو» واليمين الإسرائيلي الذي يواصل دفعه نحو النسيان، اليهود اليساريون في نيويورك ومدن الساحل الشرقي الذين يهتفون ضد سياسته وصهيونيته المكتسبة في الشوارع والجامعات.
الحقيقة انه خسر إضافة إلى مقتنياته وعثراته ومشية الآلة التي رافقته، لمعان صهيونيته وإلحاحه الغريب على ذلك، منذ جلوسه مع «غولدا مائير» في عام 73 كما روى في أكثر من مناسبة، و»سحر» قاتلة الأطفال الذي تسلط عليه حتى الآن.
سيهبط الرجل من سلم جانبي نحو القبو حيث تتراكم الأشياء التي تم الاستغناء عنها؛ المقاعد القديمة وأجهزة الكهرباء المعطلة، والملابس المستخدمة بشدة التي لا تصلح لحملات التبرع الموسمية…، وسيصعب عليه، بسبب بطء حركته ونفاد الوقت، أن يخفي دم الفلسطينيين الذي يقطر من يديه ويلطخ قمصانه المخططة، خيط الدم الذي سيتبعه أنى ذهب وكلما حاول أحد ما أن يتذكره، وستلاحقه حتى في عتمة خزانته عيون الأطفال المقتولين في غزة، ولكنه سيشهد قبل تلاشيه كيف تتحطم صورة الصهيونية في مخيلة الشباب وطلبة الجامعات وقواعد الحزب وأعداد متزايدة من الشباب والشابات اليهود في شوارع وساحات المدن ومحطات القطارات في أميركا والعالم.
وسيكتشف في أثناء تعثره على سلم الاختفاء أن صهيونيته أمر لا يدعو للفخر، على الأقل لدى جيل ما بعد الألفية الثانية.