لطالما كانت العلاقة بين وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” وحكومات الاحتلال الإسرائيلي متوترة، إلا أنها شهدت تدهورًا ملحوظًا منذ بدء الحرب على قطاع غزة، حيث تصاعدت الجهود الإسرائيلية لإنهاء عمل الوكالة بشكل كامل.
منذ اليوم الأول للاعتداء الإسرائيلي على القطاع بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، بدأت حكومة الاحتلال في استهداف “أونروا”، ساعيةً إلى إنهاء وجودها من خلال منعها من ممارسة مهامها وعرقلة عملياتها.
وقد تجسدت هذه المساعي في استبدال أنشطتها بمؤسسات دولية وأممية أخرى، بالإضافة إلى إصدار تشريع جديد يحظر عملها ومصادرة مقرها الرئيسي في القدس المحتلة.
ويهدف القانون الجديد إلى حظر أي نشاط لوكالة “أونروا” داخل أراضي دولة الاحتلال، وينص على عدم السماح للوكالة بتشغيل أي مكاتب تمثيلية أو تقديم أي خدمات أو القيام بأي أنشطة، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
كما تمت المصادقة على قانون ثانٍ يقضي بإغلاق “أونروا”، مما يمنع أي ممثل للحكومة الإسرائيلية من إجراء اتصالات مع الوكالة أو إصدار تأشيرات دخول لموظفيها. ويتضمن القانون أيضًا إلغاء الإعفاءات الضريبية التي تتمتع بها “أونروا” وحظر تعامل الجمارك معها.
ووصفت المتحدثة باسم وكالة أونروا، جولييت توما، أمس الاثنين، قرار الاحتلال بتفكيك الوكالة بأنه “أمر مشين”، مشيرة إلى أن الوكالة هي أكبر مستجيب للعملية الإنسانية في غزة.
وأوضحت أن تنفيذ هذا القرار سيشكل كارثة، وسيلحق ضرراً كبيراً بالعملية الإنسانية في غزة وأجزاء من الضفة الغربية، حيث تعتبر الوكالة المزود الرئيسي للمأوى والغذاء والرعاية الصحية الأولية.
وفي السياق نفسه، أكدت مديرة المنظمة الدولية للهجرة، إيمي بوب، الثلاثاء، أن المنظمة تسعى لتكثيف دعمها للمحتاجين في أوقات الأزمات بعد قرار حظر عمل أونروا. لكنها أوضحت أنه لا يمكن للمنظمة أن تحل محل أونروا في غزة، مشددة على عدم رغبتها في ترك انطباع خاطئ بأن المنظمة قادرة على أداء هذا الدور.
كما أكدت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” الثلاثاء أنها غير قادرة على توزيع الإمدادات المنقذة للحياة بدون وكالة أونروا، معتبرة أن هذا القرار يمثل وسيلة جديدة “لقتل الأطفال”.
في وجه الدبابة
تشكو الأمم المتحدة منذ فترة طويلة من العقبات التي تعيق وصول المساعدات إلى قطاع غزة وتوزيعها، نتيجة القيود التي تفرضها سلطات الاحتلال. وفي بداية العدوان، تم إقصاء أونروا من العمل في مناطق شمال القطاع، حيث تعامل الاحتلال مع مراكز الإيواء التابعة لها بشكل عدائي، فقصف معظمها فوق رؤوس النازحين، وحوّل بعض المراكز إلى ثكنات عسكرية خلال العمليات البرية، كما حدث مؤخرًا في مخيم جباليا.
وواجه العاملون في الوكالة استهدافًا مباشرًا من قوات الاحتلال أثناء أداء واجبهم أو خلال تواجدهم مع عائلاتهم، مما أدى إلى استشهاد 231 موظفًا على الأقل وإصابة المئات، على الرغم من النداءات المتكررة للوكالة لحماية موظفيها ومراكزها باعتبارها تابعة للأمم المتحدة.
وفي الأيام الأولى للحرب على غزة، حرض مسؤولو الاحتلال ضد الوكالة، متهمين عددًا من العاملين فيها بالمشاركة في “طوفان الأقصى”. لكن الوكالة فتحت تحقيقًا أثبت كذب الرواية الإسرائيلية، مما أعاد جميع الدول التي كانت قد علقت تمويلها دعمها للوكالة الأممية، باستثناء الولايات المتحدة الأميركية.
5.9 مليون لاجئ مستفيد
وأشارت القائمة بأعمال مدير مكتب إعلام أونروا في غزة، إيناس حمدان، إلى أن الوكالة تُعتبر أكبر منظمة تقدم الدعم والخدمات الأساسية، حيث تستهدف نحو 5.9 مليون لاجئ فلسطيني في مناطق عملياتها الخمس. وأوضحت أن هذه الخدمات تشمل التعليم، والرعاية الصحية الأولية، والمساعدات الغذائية والإغاثية، بالإضافة إلى خدمات صحة البيئة والدعم النفسي والتدخلات الاجتماعية.
ومنذ أكثر من عشر سنوات، تعاني الوكالة من نقص حاد في التمويل، حيث تقوم كل عام بترحيل العجز إلى العام التالي، على الرغم من توجيه مسؤوليها نداءات متكررة لدعم برامجها وعملياتها الاستجابة الطارئة لاحتياجات اللاجئين الفلسطينيين.
إسقاط حق العودة
تحظى أونروا بأهمية بالغة بالنسبة للفلسطينيين بشكل عام وسكان قطاع غزة بشكل خاص، نظرًا للخدمات التي تقدمها في مجالات الصحة والتعليم والبيئة.
كما تمثل الوكالة شهادة على حق العودة الذي يسعى الاحتلال الإسرائيلي لإسقاطه منذ نحو ثمانية عقود.
وفي 16 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، اتهم المفوض العام لوكالة أونروا، فيليب لازاريني، الاحتلال الإسرائيلي بشكل صريح، قائلاً إن “تفكيك أونروا أصبح هدفًا من أهداف الحرب”.
وخلال مؤتمر صحافي في برلين، أشار إلى أن “تحقيقًا أُجري مع 19 موظفًا حول علاقتهم بحركة حماس، وأظهرت النتائج أن الأدلة غير كافية وغير موثقة”. وأوضح أن “أكثر من 200 من موظفينا قُتلوا في قطاع غزة، وتعرضت بنيتنا التحتية لأضرار كبيرة، ورغم لجأ العديد من الأشخاص إلى مرافقنا طلبًا للحماية، إلا أنهم لم يحصلوا عليها”.
وأكد لازاريني أنه “إذا تم التخلص من الوكالة فسيؤدي ذلك إلى إضعاف الأدوات المتاحة للنظام العالمي بشكل أكبر. وكالات أممية أخرى، مثل قوة (يونيفيل) في لبنان، استُهدفت مثلنا. هناك مشاعر متزايدة بأن القانون الدولي يُطبق بشكل انتقائي مع ما يحدث في قطاع غزة”.
وأضاف “دُمّرت ما بين 60 إلى 70% من البنية التحتية في القطاع، والوضع مروع بالنسبة لعاملينا في الإغاثة، حيث أن حجم الدمار غير مسبوق. يعيش معظم سكان غزة في منطقة مكتظة لا تتجاوز 10% من مساحة القطاع”.
ما هي الأونروا؟
تأسست وكالة “أونروا” عقب النكبة الفلسطينية عام 1948 بموجب القرار رقم 302 الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 8 كانون الأول/ ديسمبر 1949، بهدف تقديم برامج الإغاثة المباشرة. بدأت الوكالة عملياتها في الأول من أيار/ مايو عام 1950، وقد جددت الجمعية العامة ولايتها بشكل متكرر، حيث يمتد آخر قرار تمديد لعملها حتى 30 حزيران/ يونيو 2026.