عاماً وما يزيد؛ والمجازر لم تتوقف يوماً عن قطاع غزة الذي لا تتجاوز مساحته 360كم2 ويعاني من حصار دائم منذ عام 2005، منذ الثامن من أكتوبر عام 2023 حتى اليوم يعاني الشعب الفلسطيني من فجوة تتسع يوماً بعد يوم وتزداد مشاكلها مما يعني أننا نعيش في عالم يشهد تراجعاً واضحاً وملوساً في القيم والأعراف القانونية والإنسانية وربما الأخلاقية.
إن المجازر والجرائم التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي وشهدها كل من يقطن غزة من بشر وحجر وشجر تخطت كل الآفاق وتجاوزت كافة القوانين الدولية والإنسانية، فالأشلاء تتناثر في كل حي وزاوية والدماء تسيل في الشوارع والطرقات ورائحة الموت تفوح كل بيت، واشلاء الشهداء وأجساد الجرحى تقشعر لها الأبدان، حيث أن هذه المجازر تمثل جانباً مأساوياً من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني المستمر منذ عقود ليس فقط في قطاع غزة فحسب، وإنما فلسطين بكل جغرافيتها، فعلى مر التاريخ وقعت العديد من المجازر التي دمرت العديد من القرى والمدن الفلسطينية ومسحت معالمها أمثال مجزرة دير ياسين وكفر قاسم التي أسفرت عن خسائر بشرية هائلة ومعاناة إنسانية كبيرة تمثلت في القتل الجماعي والتهجير بل تمادت هذه الجرائم لتشمل اللاجئيين خارج فلسطين كما حصل في مجزرة صبرا وشاتيلا في لبنان عام 1982.
في كل الحروب التي وقعت بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني كحرب 2008 ، هبة السكانيين عام 2016، حرب 2018، احداث الشيخ جراح، كانت عبارة عن حرب غير عادلة تملؤها المشاهد الدموية والاضطهاد والقتل وسلب المنازل من سكانها، ولكن رغم ذلك تزايدت وتيرة هذه المجازر في هذه الحرب بصورة لا يتم استيعابها، فكلما تصاعدت التوترات في البيت الداخلي الإسرائيلي أو بين إسرائيل وحركات المقاومة (جبهات الاسناد) من جهة أخرى تقوم إسرائيل بالانتقام من المدنيين وخيمهم في قطاع غزة، فبتنا نرى الخيام تحترق فوق ساكنيها دون تحريك أي ساكن، كما رأينا في مجزرة الخيام في مستشفى شهداء الأقصى حيث حرق الناس وهم يناشدون العالم والمعايير الدولية بالتحرك دون جدوى لتعود إلى أذهاننا قصة أصحاب الأخدود.
إن مشاهد التهجير والنزوح والإبادة والليالي الدامية بسبب غارات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة في ظل صمت وازدواجية المعايير القانونية والدولية جعل سكان القطاع يشعرون بأنهم بعزلة عن هذا العالم، ويعود السبب في ذلك تجاهل مناشداتهم المستمرة وتجاوز أصواتهم، وهنا يكمن التساؤل؟ ماذا لو قلبت الآية وما نراه في القطاع هو الحاصل داخل الكيان المحتل هل سكون الصمت حليف المشهد؟
لم تكتفي هذه الحرب من القتل والإبادة والقسوة بل وصل بها الإجرام إلى منع دخول كل ما يتعلق بالحياة الإنسانية داخل القطاع لتكون الحرب حرب إبادة وتجويع، لتبقى هذه البقعة الجغرافية المحاصرة دون مياه ووقود وإمدادات غذائية وصحية وطبية، وإن دل هذا على شيء سيدل على أن الحرب ضد غزة ليست حرباً تقليدية بل إجراماً ممنهجاً يهدف إلى تدمير كلي للحياة في القطاع، وربما الهدف من ذلك هو التخلص من الشعب” المدنيين” عن طريق التهجير القسري أو الإبادة من أجل تسهيل مهمة الوصول إلى المقاومة ومراكزها والقضاء عليها حسب ما تدعيه الحكومة الإسرائيلية، فهذه الحكومة لم تعد تهتم للمعايير القانونية بل وتبرر الجرائم التي ترتكبها على أنها خطط وأهداف من أجل انتصارها في هذه الحرب ولكن المُطلع جيداً على التفاصيل اليومية للحرب وللبيت الداخلي الإسرائيلي وما يعانيه من انشقاقات وخلافات يعي أن هذه الحرب وما آلت إليه لن يصب إلا في مصلحة بنيامين نتنياهو الشخصية ودليل ذلك حالة التخبط التي تظهر بصورة متزايدة يوماً بعد يوم بسبب تمسكه بقراراته ومواقفه مكابرة دون العودة للوراء رغم الهزيمة التي حلت به ولا زالت تلاحقه حتى وإن غرقت به السفينة دون نصر ، بالرغم من كونه وحكومته يقومون بالتعتيم على الخسائر والهزيمة التي تلوذ بهم لتفاجئهم كاميرات المقاومة دوما بمشاهد توثق الفشل اللوجستي والاستراتيجي في تحقيق الأهداف المزعومة لهذه الحرب.
حتى اليوم لم ينجح نتنياهو وحربه بتحقيق الأهداف المنشودة بل بالعكس من ذلك، حيث كان الهدف الأساسي هو إعادة الرهائن الإسرائيلية والقضاء على المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة ولم نرى عودة للرهائن او القضاء على المقاومة انما رأينا مجازر، وألم، وجوع، وقسوة مشاهد وفي بعض الأحيان تم اعتيادها، ومناشدات، وأشلاء منثورة في الطرقات لم تجد من يدفنها إلا الكلاب الضالة التي تناولتها لتخفف عذابها على مرأى ومسمع العالم باسره دون أن يصاب هذا العالم بعدوة الكلاب الضالة ومساعدة هذه الجثث والاشلاء، ونحن من يقول دوماً أن “إكرام الميت دفنه”، لتنسى حكومة الاحتلال الهدف المعلن لها وتضعه على رف يملأه الغبار دون الاهتمام به إلى هدف اخر هو القضاء عل الشعب الفلسطيني ومن ثم حزب الله وجبهات الإسناد ومن ثم الاجتياح البري لجنوب لبنان وحالياً الحديث عن فتح جبهه مع إيران، إن هذا كله يؤكد حالة الهروب؛ الهروب من قطاع غزة إلى لبنان والهروب من لبنان إلى إيران باحثاً عن نشوة انتصار فالرغم من اغتياله لبعض القيادات السياسية المهمة في المقاومة سواء المقاومة في قطاع غزة او في لبنان لا يعد انتصارا حقيقا بعد ما يزيد عن سنة في هذه الحرب.
في النهاية قد الدخول في حرب متعددة الجبهات قد يضعف الجبهة الإسرائيلية أكثر مما هي عليه فهو بذلك سيدخل في متاهة قد يصعب عليه الخروج منها دون تكلفة كبيرة، وقد يقوده الى الفشل بصورة تامة، إذ يؤكد التاريخ أن بداية الحرب معلومة ونهايتها مجهولة.
ليبقى تساؤل ” إلى أين نحن ذاهبون؟” التساؤل الأقوى والمرافق للمشهد السياسي الذي نعيشه اليوم والذي بطبيعة الحال ينبثق عنه تساؤلات جمة.