02:26 م
الجمعة 08 نوفمبر 2024
كتب ـ رمضان يونس:
نحو 5 أعوام، سئمت فيها “سماح” من أفعال جيرانها الذين قطعوا كل سبل الحياة من كهرباء ومياه عن شقتها، كونها رفضت بيع الشقة التي تعيش فيها رفقة طفلتها “ناهد”، بثمن بخس. تمسكها بعدم بيع الشقة كلفها الفصل الأخير من حياتها بشكل مأساوي؛ إذ قطعها جارها حتت بساطور وألقى جزءًا من الجثة في القمامة بينما دسَّ الجزء الآخر في ثلاجته، إلا أن عامل خردة كشف جريمته الخفية.
قبل 3 أشهر من الجريمة، عُرض على “سماح” ـ مُطلقة ـ بيع شقتها التي اشترتها مطلع 2011، بعدما نالت ميراثها من والدها عقب وفاته، لجيرانها بثمن بخس. لكنها رفضت البيع، كونها تعيش مع طفلتها “ناهد” (10 سنوات) وبالقرب من أشقائها “كل العمارة قرايب وعايزين ياخدوا الشقة بأي حل ويمشوا أختي”، وفق أحمد، شقيق سماح.
منذ اللحظة الأولى وعقب رفض “سماح” بيع شقتها، بدأ الجيران في تضييق الخناق عليها وعلى “أم ناهد”، حتى وصل الأمر إلى قطع كل سبل العيش لها وطفلتها “كل شوية يقطعوا مواسير المياه والكهرباء عنها”، ورغم ذلك لم تستسلم “سماح” لأساليبهم، وتمسكت بعدم بيع مسكنها: “بيسلطوا عليها ناس يضايقوها عشان تبيع الشقة”، وفق أحمد.
في الساعة التاسعة إلا ربع مساء الجمعة، وحال خروج “أم ناهد” لشراء مستلزمات بيتها، تعرضت لمضايقات من قبل جيرانها. على إثر ذلك هاتفت شقيقها “أحمد”، الذي حضر إلى مسكنها، وعندما عاتب الجيران تعدوا عليه وعلى شقيقته بالضرب أمام المساكن. “كسروا تليفونها وأخذوا متعلقاتها الشخصية حتى كارت التموين والفيزا ورفضوا أن يخلواها تطلع لابنتها في الشقة”. حينها حرر الجيران محضرًا كيديًا يتهم فيه السيدة وشقيقها بالتعدي عليهم: “ضربونا في الشارع وراحوا عملوا محاضر فينا”، يقول أحمد.
لم ترغب “سماح” في الدخول مع جيرانها في مناوشات، وفي صباح اليوم التالي توجهت إلى قسم النهضة بالقاهرة، وحررت محضر “تمكين” مسكنها، كون جيرانها رفضوا دخولها الشقة: “بنتها محبوسة في الشقة وهم رافضين إننا نطلع نجيبها”، كما يروي أحمد في حديثه ل.
“أحمد صبري” ـ موظف بهيئة النقل العام ـ اعتاد الذهاب كل يوم لشقيقته “سماح” للاطمئنان عليها، خاصة بعد تعرضها للضرب من قبل جيرانها، كونها تقطن رفقة ابنتها الطفلة بعد انفصالها عن زوجها “محمد” قبل 9 سنوات مضت.
في الرابعة عصرًا، انتهى “أحمد” من عمله، وفي طريق عودته إلى منزله ذهب إلى شقة شقيقته “سماح”، فلم يجدها. وعندما سأل طفلتها “ناهد”، أخبرته أن والدتها خرجت لشراء متطلباتها: “قالت لي ماما نزلت تجيب حاجة وراجعة تاني”. حينها ترك الموظف ابنة شقيقته “ناهد” وعاد إلى منزله لينال قسطًا من الراحة عقب عودته من عمله.
في المساء، عاد “أحمد” إلى شقة شقيقته، لكنه تفاجأ بعدم تواجدها، الأمر الذي أثار قلقه وأحاطه الشك في جيرانها الذين اعتدوا عليها بالضرب، كون الطرفين حررا محاضر في قسم الشرطة وكان بينهما شجار دائم. “في واحد من جيرانها قال لي لو أختك ما سابتش الشقة أنا هجيبهالك في شوال”، وفق أحمد.
رحلة البحث عن “سماح” طالت 24 ساعة دون فائدة، حينها حرر “أحمد” محضرًا بتغيب “أم ناهد” عن بيتها عقب خروجها لشراء متطلبات منزلها، حتى عثرت أجهزة الأمن على أشلاء آدمية في مقلب زبالة، إذ تبين عقب ذلك أنها للسيدة المتغيبة “سماح”. كما عثر على باقي أشلاء الجثمان في ثلاجة داخل مسكن جارها “علاء”، المتهم، الذي تم القبض عليه بعد أن رصدته كاميرات المراقبة وهو يتخلص من الضحية في صندوق قمامة.
لم يكتفِ الجيران بقتل “سماح” وتقطيع جسدها أجزاءً وتوزيعها على مناطق متفرقة بالمنطقة، بل يهددون شقيقها “أحمد” وزوجته بالقتل. “بيهددوني أنا ومراتي بالقتل وبيقولولي هنعمل فيك زي ما عملنا في أختك”، يستنجد “أحمد” وأسرته بالشرطة لحمايتهم من بطش جيران شقيقته بعد قتلها، خوفًا من أن يكون مصيره مثل مصير شقيقته “أم ناهد” (أنا خايف على بنت أختي يعملوا فيها زي ما عملوا في أمها كده).
ما خطط له الجار من قتل وتقطيع بالساطور وصولًا للتخلص من الجثة في صندوق القمامة والتحفظ على أجزاء منها في ثلاجته تم على أكمل وجه، لكن “عامل خردة” أزاح الستار عن الجريمة الخفية حينما شاهد الجاني وهو يُلقي جوالًا في صندوق قمامة بالنهضة. ظل العامل يراقب الصندوق بشكل مستمر، فشك في أمره، وحينما نبش القمامة عثر على الجوال وفوجئ بداخله قدم سيدة، فأبلغ الشرطة التي توصلت إلى الجاني بعد تفريغ كاميرات المراقبة.
بعد نحو 6 أشهر من التحقيق في الدعوى، حددت الدائرة التاسعة بمحكمة جنايات شمال القاهرة، المنعقدة بالعباسية، جلسة 24 نوفمبر الجاري، لنظر أولى جلسات القضية، بعدما أحالته نيابة حوادث شرق القاهرة الكلية في القضية رقم 6414 لسنة 2024 جنايات السلام ثانٍ، إلى محكمة الجنايات العاجلة بتهمة القتل العمد.
أمام جهات التحقيق، أدلى المتهم باعترافات تفصيلية عن الجريمة، حيث أكد أنه قتل جارته “أم ناهد” طعنًا ثم قطع جثمانها إلى أشلاء، ألقي بعضها في صندوق قمامة، واحتفظ بالباقي في ثلاجة داخل الشقة لحين التخلص منه في وقت لاحق، في محاولة منه لعدم كشف جريمته.
وصرحت نيابة شرق القاهرة الجزئية بدفن “سيدة النهضة” التي لقيت مصرعها على يد جارها بمنطقة النهضة، بعد تطابق عينة الدم المأخوذة من “أحمد” بجثمان شقيقته الضحية، بعد توقيع الكشف الطبي الشرعي عليها لإعداد تقرير وافٍ عن الجريمة وما دار فيها.