كتب/ إحسان عطايا عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي
بدأ حياته مقاتلاً في صفوف المقاومة الفلسطينية منذ ريعان شبابه، ثم مسؤولاً عن مجموعات تنفذ عمليات عسكرية ضد جيش العدو الصهيوني، مرورًا بتجربة الأسر في سجون الاحتلال لسنوات طويلة، ثم الانتماء لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، وصولاً إلى صفوفها القيادية الأولى ومكتبها السياسي قائدًا مثقفًا وقارئًا نهمًا، وأبًا روحيًّا، ذا رؤية متقدمة وأفكار إبداعية، وصاحب قلب نقيّ… وقائمة الوصف تطول وتطول، عندما نتحدث عن قائد كبير قضى جُلّ حياته في الجهاد والمقاومة، من أجل قضية مركزية ومحورية لأمته، ولكل فلسطيني حرّ وشريف، وانتهى به المطاف شهيدًا على طريق القدس وفلسطين، بغارة صهيونية وحشية وغادرة في دمشق. وهو الذي كان يمارس نشاطه القيادي والثقافي، رغم الظروف الصعبة المحيطة بالعمل التنظيمي في هذه المرحلة الحساسة، ورغم الحرب الهمجية التي يشنها العدو الصهيوني على لبنان، ورغم الغارات المتواصلة التي تشنها طائراته على قوى المقاومة في سوريا.
وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على إيمانه القوي ويقينه الراسخ ورباطة جأشه ومعنوياته العالية التي لا تخفى على كل من يعرف الأخ العزيز والقائد الهادئ الحاج أبو السعيد (عبد العزيز الميناوي) الذي ارتقى معه شهيدًا أخ عزيز على قلوبنا أيضًا، شغوف بعمله ومثابر عليه، يتابع تطورات الأحداث وما يجري بدقة، ويؤدي مهمته السياسية على أفضل وجه، وحاضر في المشهد الإعلامي بكل حيوية، ومحدث لبق يحبه كل من يلتقيه، إنه القيادي النشيط أبو عصام (رسمي أبو عيسى) الذي غادرنا مبكرًا، إضافة إلى نخبة من الإخوة الأعزاء الشجعان المخلصين الذين كانوا إلى جوارهما أثناء العدوان الصهيوني الغاشم، وارتقوا شهداء على طريق القدس وفلسطين.
لقد قدم الشهيد القائد عبد العزيز الميناوي لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين كثيرًا من الأفكار الخلاقة، ولا سيما حول دور المقاومة وعملها في الضفة الغربية والقدس، والأراضي المحتلة عام 48، ومخيمات اللجوء. وأسهم في صناعة قرارات مهمة وإستراتيجية، مع إخوانه من قيادة الحركة الأولى في مختلف مراحلها، منذ عهد الأمين العام المؤسس القائد المفكر صاحب الرؤية الثاقبة والمشروع الجهادي المبدع الشهيد د. فتحي الشقاقي، مرورًا بالأمين العام القائد المثقف والخطيب المفوّه الشهيد د. رمضان عبد الله شلّح، وصولاً إلى رفيق دربه الأمين العام القائد الشجاع والمقدام زياد النخالة حفظه الله.
من المؤكد أننا سنفتقد الشهيد القائد الحاج أبو السعيد وإخوانه الشهداء، وستحزن قلوبنا على فراقهم، وستفيض أعيننا دمعًا، ولكن حتمًا سيبقى طيفهم حاضرًا، ونهجهم بوصلة، وستبقى أمانتهم مسؤولية، وستحلق أرواحهم في سماء فلسطين، وستسير بذكرهم الركبان، فالشهداء أحياء عند ربهم، ومنارات تهدي إلى سبيل النصر والتحرير.
ما أجمل أن ينال الفائز وسامًا، وما أجمل أن يفوز المقاوم بوسام الشهادة، وما أجمل أن تكون الشهادة على طريق القدس وفلسطين (الأرض المقدسة والمباركة) كما كان يحلو لشهيدنا القائد الميناوي أن يسميها.
ربح البيع يا أبا السعيد، ربح البيع يا أبا عصام، ربح البيع أيها الشهداء الكرام، إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ.
ونِعم الربح في هذه التجارة الموفقة مع الله عز وجل، “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ، تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ”.
طوبى للشهداء الأبرار، طوبى لعائلاتهم الكريمة، طوبى لأبنائهم وبناتهم، طوبى لآبائهم وأمهاتهم وزوجاتهم، طوبى لرفاق دربهم ومحبيهم…
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبلهم بقبوله الحسن، وأن يسكنهم فسيح جناته “مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا”.
الرحمة لأرواح الشهداء، والشفاء العاجل للجرحى، والحرية القريبة للأسرى، والنصر العزيز لشعبنا ومقاومته.
و”إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ”