مرة أخرى … «ترامب الثاني»…
2024 Nov,17
لخمسين شهراً قادمة سيبقى ترامب مادة الحدث الرئيس لوسائل الإعلام، فقد عاد ليشاغل العالم من جديد بعد أربع سنوات كانت ستكون مريحة، ولولا تخاريف وأوهام وجنون الإدارة المغادرة لكان العالم قد تمكن من الاسترخاء.
لكن أميركا هي أميركا، لا تكتفي من الحروب أو تمويلها والفارق أن الحزب الجمهوري أكثر صخباً لكن الديمقراطيين أكثر مكراً.
ترامب رجل يصعب التنبؤ بسلوكه وقراراته ليس فقط لأنه من خارج المؤسسة ومتمرد عليها، بل لأنه يتفرد بسمات غريبة أبرزها أنه شخص اعتاد على إدارة شركاته وأمواله برؤيته الخاصة.
أما العاملون معه فهم مجرد موظفين صغار ومنفذين لرؤيته وهذا ما أثر على شخصيته ليتحول بحكم تاريخه إلى دكتاتور كبير لا يعير لمن حوله اهتماماً، فقد قال في مقابلة قديمة مع بوب دودوارد قبل ثمانية عشر عاماً والتي أوردها في مقدمة كتابه «الحرب» بأنه «يتبع حدسه في قراراته وليس آراء الآخرين».
إذاً نحن نحتاج إلى قراءة شخصية الرجل من جديد حتى نفهم شخصية أميركا الجديدة والسياسات القادمة، وإذا كان الرئيس الأميركي يحاول أن يظهر أنه أكثر اتزاناً ومختلفاً بعض الشيء لكن شخصية الأفراد وسلوكهم هي حصيلة تجاربهم الخاصة، وهو رجل العقارات الناجح الذي أمضى حياته في عالم المال والأعمال والمضاربات حيث لا متسع للمضاربين الصغار الذين ينبغي سحقهم، وهو الرجل الذي لا يؤمن بالخسارات، وما يفهمه أن على التاجر الناجح أن يجمع أكبر قدر من المال وينفق أقل قدر منه.
نتذكر في ولايته الأولى كيف كان يمارس مضارباته بلا خسارات، كيف كانت وجهته تجاه الخليج العربي حيث تكدس المال وكيف تمكن من ممارسة الابتزاز وجمع الأموال عدا الوقيعة بين دوله ليبقى مرجعية للجهات المتصارعة، لكنه بعد السقوط أرسل كوشنر صبي أسراره لينهي هذا الملف بلقاء أحد وأغلب الظن أن العرب استفادوا من تلك التجربة المريرة.
في أوروبا التي كان نجاحه كابوسها الجديد لم يكن ترامب سوى ترامب في علاقته بها وبالناتو، حيث مارس تجاهها نفس الابتزاز «إذا أردتم الحفاظ على الناتو عليكم أن تدفعوا المال» فهو لا يفهم أن تدفع الولايات المتحدة أموالاً من أجل حماية الآخرين.
لا مانع لديه أن يقدم أميركا بصورة البلطجي، المهم نجاح الصفقة وجني المال.
وهذا بالمناسبة لا يتناقض مع روح أميركا إذ إنها نهاية الحرب العالمية الأولى التي حسمها التدخل الأميركي أرسل الرئيس وودرو ويلسون وزير خزانته للتفاوض على ثمن تدخل واشنطن ليعود محملاً بسفن الذهب والفضة، أما في الحرب العالمية الثانية فقد استولت على كل ما كان موجوداً على الطاولة.
من هنا يمكن فهم تصريحات ترامب عن عالم بلا حروب أو وقف كل الصراعات الدائرة، ليس سوى لأن خزائن واشنطن تتكفل بالجزء الأكبر منها وهذا لا ينسجم مع فهم التاجر: لماذا تدفع الولايات المتحدة مليارات من أجل تمويل أوكرانيا في حربها ضد روسيا ؟ فالرجل ليس استراتيجياً في رؤيته، هو فقط يحسب السياسة بعداد المال، بالربح والخسارة.
وحرب أوكرانيا حرب خاسرة بالمعنى المالي، هكذا هو الأمر رغم أن ترامب لنفس الأسباب المالية كان المحرض الأول على خط نورد ستريم بين روسيا وألمانيا خشية التحالف الاقتصادي بين روسيا وألمانيا.
على الصعيد الفلسطيني وطلبه من نتنياهو إنهاء الحرب على غزة قبل تسلمه الرئاسة وبالأرقام، فإن تلك الحرب أيضاً باتت تتطلب مزيداً من الأموال الأميركية يصادق عليها الكونغرس، وهكذا فهي حرب خاسرة بالمعنى الأميركي لذا ينبغي وقفها.
ولكن حتى لا يتفاءل الفلسطينيون كثيراً، ينبغي وقفها بانتصار إسرائيلي ساحق أي بمزيد من الضغط العسكري فهو رجل عنيف بالمعنى الشخصي وأيضاً بالضغط على الدول التي تستضيف قيادة حركة حماس، ومن هنا لم تكن الإشارة التي تحدثت عنها وسائل الإعلام قبل أسبوع حول إغلاق مكتب الحركة في الدوحة من قبيل المصادفات.
تعكس تعيينات طاقم ترامب للخارجية والأمن القومي والدفاع والسفير الفج في إسرائيل وممثلة الإدارة الأميركية للأمم المتحدة سياسة عدائية ليس فقط للفلسطينيين بل للشرق الأوسط وإيران.
إذ إن تعيين مجموعة الصقور المتطرفين والموالين للتيار الديني في إسرائيل يشي بساسة قادمة للمنطقة.
وزير الدفاع المقترح والمدعي العام أما مدانان باعتداءات جنسية مثل ترامب أو يتم التحقيق معهما كما عنونت CNN عن «بيت هيغسث» وزير الدفاع الجديد «لكن لا يهم هنا توجهات الفريق المغتصب كما يصفونه بل توجهات الفريق المتعصب».
لكن ترامب المندفع بلا حدود والذي سيعود لتصفية القضية الفلسطينية هذه المرة بشكل نهائي كعقار خاسر، على نمط صفقة القرن وربما أقل مع توجهات حكومة إسرائيل التي تفتح شهيتها للضم بفريق أميركي متوافق تماماً معها يقف رأس حربته سفير ترامب مايك هاكابي الذي يقف على يمين سموتريتش، هو ما يجب أن يشعل الأضواء لدى الفلسطينيين والعرب، لكن هناك ما يمكن قوله في شخصية ترامب بأن هذا النمط من البشر هم الأكثر جبناً وخوفاً من الخسارة.
وهذا ما يمكن الاستفادة منه عربياً إذا ما قرر العرب وتحديداً الخليج العربي أن يقف في وجهه بما يملك من إمكانيات والتلويح بالخسارة وتلك نقطة ضعف ترامب.