قراءة أولية في نتائج وتداعيات غزوة طوفان الأقصى…

في صبيحة يوم السبت الموافق 7/10/2023، شنت قوات النخبة في حركة حماس هجومًا مباغتًا على القرى والتجمعات السكانية المحاذية للحدود مع قطاع غزة. وقد أدى هذا الهجوم إلى شنّ إسرائيل حربًا على قطاع غزة غير مسبوقة في التاريخ المعاصر. إذ نفذت حملة إبادة جماعية أسفرت عن تدمير قطاع غزة بالكامل، وقتل وجرح ما يعادل 20% من مجمل سكان القطاع، إضافة إلى نزوح ما يقارب مليوني مواطن عن منازلهم قسرًا، أمام سمع وبصر العالم الذي لم يحرك ساكنًا إزاء هول ما يحدث.
قبل خمسة عشر شهرًا، اندلعت شرارة هذه الحرب المدمرة على قطاع غزة، الفقير المحاصر والمكتظ بالسكان، الذي لا تزيد مساحته عن 1.5% من مساحة فلسطين التاريخية.
في قراءة أولية لنتائج وتداعيات هذه الحرب الكارثية، سأحاول الوقوف أمام بعض المفاهيم والوقائع والأحداث التي صاحبتها، علّنا نصل إلى بعض الاستنتاجات الأولية كمقدمة لدراسة أوسع تشمل النتائج الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي ستترك تأثيراتها طويلة المدى على الأجيال القادمة:
1- النصر والهزيمة:
هناك مقولة شهيرة يرددها كثير من العاملين في الحقل السياسي، تشير إلى
“إن الحرب هي امتداد للسياسة، ولكن بوسائل وأدوات عنيفة وخشنة.”
هذا يعني أن أي عمل عسكري يجب أن يسعى لتحقيق هدف أو مجموعة أهداف سياسية تُحقق بالقوة. ويُعدّ النصر متحققًا فقط عند تحقيق الأهداف السياسية التي شُنت الحرب من أجلها.
ولا تتحقق الانتصارات، كما يعتقد البعض، بالشجاعة أو بالأعمال البطولية الفردية أو الجماعية، ولا بحجم التضحيات المقدمة، أو ببقاء السلطة الحاكمة مسيطرة على حكم البلاد والعباد.
ولمعرفة ما جرى خلال العام الماضي، دعونا نستعرض ماذا قال أصحاب غزوة “طوفان الأقصى”، وما هي الأهداف التي أرادوا تحقيقها.
2- أهداف غزوة طوفان الأقصى المعلنة
تم تحديد ثلاثة أهداف رئيسية للغزوة، إضافة إلى بعض الأهداف الفرعية، وهي:
الإفراج عن جميع الأسرى في السجون الإسرائيلية (“تبييض السجون”).
إيقاف حملات الاقتحام المتكررة للمسجد الأقصى، التي قادها المتطرف بن غفير وأتباعه.
منع هدم المسجد الأقصى وإعادة بناء الهيكل الثالث مكانه، كما يزعم أتباع الصهيونية الدينية، وعلى رأسهم بن غفير وسموتريتش وغيرهم من غلاة اليمين المتطرف.
رفع الحصار الظالم المفروض على قطاع غزة منذ ما يزيد على سبعة عشر عامًا.
اعتبار الغزوة خطوة أولى في طريق تحرير فلسطين من نهرها إلى بحرها، حيث دعا محمد الضيف في كلمته الموجهة إلى الشعوب العربية والأمة الإسلامية إلى الزحف والمشاركة في نيل شرف تحرير فلسطين.
3- النتائج الأولية للغزوة
بعد مرور عام كامل على الغزوة، يبدو للأسف أن الأهداف المشار إليها لم تتحقق. بل إن ما تحقق يكاد يكون عكس تلك الأهداف تمامًا:
زيادة عدد الأسرى: بلغ عدد المعتقلين الفلسطينيين الجدد أكثر من 13,000، مما يجعل أي عملية تفاوض مستقبلية لتحرير الأسرى خاسرة.
زيادة الاقتحامات للأقصى: تحوّلت الاقتحامات من أسبوعية وبأعداد محدودة إلى يومية وبأعداد كبيرة، إضافة إلى تصعيد الحفريات تحت المسجد الأقصى وحوله تمهيدًا لهدمه.
احتلال قطاع غزة: أصبح القطاع تحت الاحتلال العسكري المباشر، وتم فصل شماله عن جنوبه.
إحكام الحصار: تم تدمير معبر رفح البري والسيطرة على ممر صلاح الدين (“فلادلفيا”) الحدودي الفاصل بين مصر وغزة.
تدمير شامل للبنية التحتية:
تدمير 80% من المنازل.
القضاء على جميع الجامعات ومعظم المدارس.
تدمير المساجد والكنائس.
تخريب 80% من الأراضي الزراعية.
تدمير شبكات الصرف الصحي والاتصالات والطرق، مما أعاد القطاع خمسين عامًا إلى الوراء.
الخسائر البشرية:
استشهاد وفقدان أكثر من 72,000 إنسان، معظمهم من المدنيين.
إصابة حوالي 125,000 آخرين، بينهم الكثير ممن سيعانون من إعاقات دائمة.
تهجير السكان: نزح معظم سكان غزة داخل القطاع وخارجه، وأصبحوا يعيشون في خيام تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة.
تلوث بيئي وصحي: تسببت الحرب في تلوث التربة والمياه وانتشار الأمراض بسبب بقايا القنابل والمواد السامة مثل الفسفور الأبيض واليورانيوم المنضب.
4- ما بين الغزوة والحرب
خاضت حماس المعركة بمنطق “الغزوة”، التي عادة ما تكون قصيرة الأمد وتنتهي خلال ساعات أو أيام، على عكس “الحرب”، التي تتطلب تخطيطًا دقيقًا وتأخذ في الحسبان التوازنات الدولية والإقليمية وردود الأفعال المتوقعة.
لكن هذه المواجهة عكست:
غياب التخطيط الاستراتيجي.
سوء تقدير ردود الأفعال الدولية والإقليمية.
عدم تحضير الجبهة الداخلية، وترك المدنيين يواجهون مصيرهم وحدهم.
5- النجاحات والإنجازات
رغم الكوارث الناتجة عن الغزوة، أشار قادة حماس إلى بعض الإنجازات:
إعادة القضية الفلسطينية إلى جدول الأعمال الدولي.
تعطيل مسار التطبيع بين إسرائيل وبعض الدول العربية.
ضرب مفهوم الأمن الإسرائيلي وعقيدة “الجيش الذي لا يُقهر”.
صدور قرارات دولية هامة مثل:
قبول فلسطين عضوًا كاملًا في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
قرارات من محكمة العدل الدولية بعدم شرعية الاحتلال.
مذكرات اعتقال دولية بحق بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه.
6- تأثيرات الغزوة المستقبلية
ستؤدي هذه الغزوة إلى تعميق المعاناة الفلسطينية، وستضع القضية في وضع أكثر سوءًا، حيث ستصبح احتمالات التسوية السياسية أقل عدالة بعد أن اختلت موازين القوى.
كل ذلك قد يفتح الطريق أمام هجرة واسعة للفلسطينيين بشكل طوعي من غزة التي تم تدميرها، إلى الخارج.