لطالما مثّلت جائزة الكرة الذهبية قمة التقدير الفردي في عالم كرة القدم، فهي التتويج الأسمى لمسيرة لاعب في موسم كروي كامل. لكن على مدار السنوات الأخيرة، تحوّلت الجائزة من رمز للموضوعية إلى ساحة جدل واسعة، حيث يتهمها الكثيرون بأنها لم تعد تكافئ الأداء الأفضل، بل تُمنح لمن يملك “السردية” الأكثر قوة وجاذبية. هذا التحول أوجد شعورًا بالظلم لدى لاعبين وجماهير على حد سواء، وكشف عن تحيزات منهجية في آليات التصويت.
السرد مقابل الأداء: هل هي معركة خاسرة؟
تكمن المشكلة في أن الجائزة لم تعد تُمنح بناءً على الإحصائيات والأداء الفردي الثابت وحسب، بل على مجموعة من العوامل المتشابكة التي تُشكّل “قصة” الموسم. على سبيل المثال، يمتلك اللاعب الذي يفوز بدوري أبطال أوروبا ويسجل هدفًا حاسمًا في النهائي قصة أكثر إثارة من لاعب آخر قدّم موسمًا استثنائيًا على صعيد الأداء الفردي لكنه لم يفز بألقاب جماعية كبرى. هذه السردية تُشكّل رأيًا عامًا مؤثرًا يوجه أصوات المصوتين، حتى لو كان الأداء الفعلي للاعب الآخر أكثر استحقاقًا.
تجاهل الأبطال المنسيين
تاريخ الكرة الذهبية مليء بحالات الظلم التي تُجسّد هذا التحيز. في عام 2010، كان ويسلي شنايدر يملك كل الأسباب للفوز بالجائزة بعدما قاد إنتر ميلان لتحقيق الثلاثية التاريخية، بالإضافة إلى وصوله لنهائي كأس العالم مع منتخب هولندا. كان شنايدر هو المحرك الرئيسي في كل من الفريقين. ومع ذلك، ذهبت الجائزة إلى لاعب آخر لم يحقق نفس الإنجازات الجماعية. وبالمثل، في عام 2013، قاد فرانك ريبيري بايرن ميونخ لتحقيق ثلاثية تاريخية، لكنه خسر الجائزة لصالح كريستيانو رونالدو. هذه الحالات ليست مجرد حوادث عابرة، بل هي دلالات واضحة على أن الجائزة تُعطي الأولوية للسرديات الكبرى على حساب الواقع الميداني.
تحيز المواقع والأسماء الكبرى
تُظهر الجائزة أيضًا تحيزًا واضحًا لصالح المهاجمين وصانعي الأهداف، مما يجعلها تبدو وكأنها جائزة لأفضل هداف أو أفضل صانع أهداف، وليس لأفضل لاعب. المدافعون وحراس المرمى نادرًا ما يحظون بفرصة للفوز، رغم أنهم جزء أساسي من نجاح أي فريق. هذا التجاهل يُقلل من قيمة الأدوار الدفاعية التي لا تقل أهمية عن الأدوار الهجومية. كما أن هناك تحيزًا غير معلن لصالح اللاعبين الذين يمثلون الأندية الكبرى التي تحظى بتغطية إعلامية هائلة، مما يجعل من الصعب على اللاعبين المتميزين في أندية أقل شهرة الفوز بالجائزة.
خلاصة: هل يمكن إعادة المصداقية؟
لكي تستعيد الكرة الذهبية مصداقيتها، يجب إعادة النظر في معاييرها. يجب أن يُعطى الأداء الفردي الثابت الأولوية على الألقاب الجماعية، وأن يتم تقييم اللاعبين بناءً على تأثيرهم الحقيقي في الملعب، بغض النظر عن موقعهم أو حجم النادي الذي يمثلونه. عندها فقط، ستعود الجائزة لتكون التتويج الحقيقي لأفضل لاعب في العالم، وليس مجرد جائزة تُمنح لأكثر القصص إثارة.


























اترك تقييم