حكم قراءة الفاتحة للمأموم هي مسألة تشغل أذهان الكثير من المسلمين، ولمَ لا، فالصلاة هي ثاني أركان الإسلام بعد الشهادة مباشرةً، وهي صلة بين العبد وربه، تشغل حيزاً كبيراً من يومه، حيث يتردد عليها خمسة مرات خلال يومه لصلاة الفريضة، فهي التي تميز المسلم عن غيره، لذا يحرص دائماً على صحتها، ويدعوا الله دائماً أن يتقبلها، فتابع عزيزي ما يلي عبر لتعرف أكثر عن حكم قراءة الفاتحة للمأموم.
اقرأ أيضًا: حكم قراءة الفاتحة على الميت
حكم قراءة الفاتحة للمأموم
اختلف الفقهاء في حسم مسألة حكم قراء الفاتحة للمأموم حيث جاءت آرائهم في تلك المسألة كما يلي:
عند الحنفية
يرى الحنفية أنه لا يجوز للمأموم قراءة الفاتحة خلف الإمام، حتى لو كانت الصلاة سرية كالظهر والعصر، حيث يستمع المصلي للإمام إذا جهر في صلاته، ويحاول الإنصات له إذا أسر في صلاته، والدليل على ذلك ما يلي:
-
ما ورد في [البناية شرح الهداية 2 /313] من كتب الحنفية: “ولا يقرأ المؤتم خلف الإمام”.
-
ما ورد أيضاً في كتاب [مراقي الفلاح ص86]: “ولا يقرأ المؤتم، بل يستمع وينصت، وإن قرأ كُره تحريما”.
-
وأيضاً قال ابن قدامة: “وجملة ذلك أن القراءة غير واجبة على المأموم فيما جهر به الإمام ، ولا فيما أسر به”. نص عليه أحمد في رواية الجماعة، وبذلك قال الزهري والثوري، وابن عيينة، ومالك، وأبو حنيفة، وإسحق، وقال الشافعي، وداود: يجب. انتهى
-
بالإضافة إلى ما جاء به أبي موسى رضي الله عنه حيث قال: قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبيَّن لنا سُنتنا وعلَّمَنا صلاتنا، فقال: ((إذا صليتم فأقيموا الصلاة، ثم ليؤمكم أحدكم، فإذا كبَّر فكبِّروا، وإذا قرأ فأنصتوا))؛ رواه مُسلم.
-
وروى أيضًا عن نافع أن عبدالله بن عُمر كان إذا سُئل: هل يقرأ خلف الإمام؟ يقول: “إذا صلى أحدكم خلف الإمام تُجزئه قراءة الإمام، وإذا صلى وحده فليقرأ”، قال: وكان عبدالله بن عُمر لا يقرأ خلف الإمام”.
-
وروى مُسلم في صحيحه عن عطاء بن يسار أنه سأل زيد بن ثابت عن القراءة مع الإمام فقال: “لا قراءة مع الإمام في شيء”، قال الشيخ الألباني رحمه الله: سنده صحيح.
-
كما روى البيهقي عن أبي وائل أن رجلًا سأل ابن مسعود عن القراءة خلف الإمام فقال: “أنصت للقرآن؛ فإن في الصلاة شُغلًا، وسيكفيك ذلك الإمام”، قال الشيخ الألباني رحمه الله: سنده صحيح.
-
وروي أيضاً عن علي بن أبي طالب قال: “من قرأ خلف الإمام فقد أخطأ الفطرة”؛ رواه البخاري في كتاب “القراءة خلف الإمام”، والدار قطني وابن أبي شيبة بسند قال فيه الشيخ الألباني رحمه الله: جيد.
اقرأ أيضًا: حكم قراءة الفاتحة في الصلاة للأمام والمأموم
عند المالكية والحنابلة
أما المالكية والحنابلة فيرون في مسألة حكم قراءة الفاتحة للمأموم أنه لا يفرض على المأموم قراءة الفاتحة سواء كانت الصلاة جهرية أو سرية، ولكن يفضل أن يقرأ المأموم الفاتحة إذا كانت الصلاة سرية، والدليل على ذلك كما يلي:
-
قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة)”.
-
كما جاء في [شرح مختصر خليل للخرشي المالكي 1/ 269]: “لا [أي لا تجب] على المأموم، لخبر: (قراءة الإمام قراءة المأموم)، وسواء السرية والجهرية، كان الإمام يسكت بين القراءة والتكبير أم لا، إلا أنه يستحب له القراءة خلف الإمام في السرية”.
-
بالإضافة إلى ما جاء في [شرح منتهى الإرادات للبهوتي الحنبلي 1/ 178]: “الجماعة تتعلق بها أحكام من وجوب الاتباع، وسقوط سجود السهو، والفاتحة عن المأموم”.
-
وأيضاً قول النبي ﷺ: “إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه، فإذا كبر فكبروا وإذا قرأ فأنصتوا” الحديث رواه مسلم في صحيحه
والبعض يرى أنه لا فائدة من الإنصات في حين قراءة الإمام الفاتحة في الصلاة السرية، لذا يستحب قراءتها للمأموم، ومن مؤيدين هذا الرأي شيخ الإسلام بن تيمية فيرى وجوب قراءة الفاتحة المأموم في الصلاة السرية وعدم قراءتها في الصلاة الجهرية.
-
حيث قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (ومعلوم أن النهي عن القراءة خلف الإمام في الجهر متواتر عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم كما أن القراءة خلف الإمام في السرِّ متواترة عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم، بل ونفى وجوب القراءة على المأموم مطلقًا مما هو معروف عنهم)؛ ا هـ
اقرأ أيضًا: ما حكم قراءة سورة البقرة يوميًا عند ابن باز؟
عند الشافعية
أما الشافعية فيرون أن حكم قراءة الفاتحة للمأموم في صلاته واجبة، لأنها ركن من أركان الصلاة، فالصلاة بدونها غير صحيحة، سواء كانت صلاة سرية أو جهرية، والدليل على ذلك ما يلي:
-
حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه “لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب” رواه عبادة بن الصامت (متفق عليه).
-
وفي حديث آخر يقول فيه الرسول الكريم صلى الله عليه “لا تجزئ صلاة لا يقرأ الرجل فيها بفاتحة الكتاب”
-
بالإضافة إلى ما قاله الإمام النووي رحمه الله حيث قال: “قراءة الفاتحة للقادر عليها فرض من فروض الصلاة، وركن من أركانها، ومتعينة، لا يقوم مقامها ترجمتها بغير العربية، ولا قراءة غيرها من القرآن، ويستوي في تعيينها جميع الصلوات، فرضها ونفلها، جهرها وسرها، والرجل والمرأة، والمسافر، والصبي، والقائم، والقاعد، والمضطجع، وفي حال شدة الخوف وغيرها، وسواء في تعينها الإمام والمأموم والمنفرد” انتهى [المجموع 3/326].
-
وهناك دليل آخر استند إليه الشافعية لإثبات صحة هذا الرأي وهو حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ، ثَلَاثًا، غَيْرُ تَمَامٍ، فَقِيلَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ: إِنَّا نَكُونُ وَرَاءَ الْإِمَامِ؟ فَقَالَ يعني أبو هريرة رضي الله عنه: اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ) رواه مسلم.
-
وأيضاً ما أخبرنا به عبادة ابن الصامت عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين نازعوه القراءة في صلاة الصبح: لعلكم تقرؤون خلف إمامكم قالوا: نعم، قال: لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها. رواه أبو داود والترمذي والبيهقي وابن حِبَّان وابن خُزيمة وأحمد والحاكم والدار قطني والبزار، وضعفه الشيخ الألباني رحمه الله. بإسناد حسن.
- ويفهم من هذا الحديث أنه في حكم قراءة الفاتحة للمأموم أن الإمام لا ينوب عن المأموم في قراءة الفاتحة إلا إذا جاء المأموم والإمام راكعاً وحينها تسقط عنه قراءة الفاتحة.
-
والدليل على ذلك ما ورد عن أبي بكر رضي الله عنه: أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع، فركع قبل أن يصل إلى الصف، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ((زادَكَ اللهُ حرصًا ولا تعد))؛ رواه البُخاري.
-
وأيضاً ما ورد عن يزيد بن شريك أنه سأل عمر رضي الله عنه عن القراءة خلف الإمام، فقال: (اقرأ بفاتحة الكتاب، قلت: وإن كنت أنت؟ قال: وإن كنت أنا، قلت: وإن جهرت، قال: وإن جهرت)؛ رواه البيهقي والحاكم والدار قطني، وقال: رواته كلُّهم ثقات وصدق، فإن البُخاري ومسلم قد احتجَّا بجميع رواته.
- وعلى الإمام أن يترك مهلة من الوقت بعد الانتهاء من قراءة الفاتحة ليقرأ فيها المأمومين الفاتحة، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك.
-
جاء عن سمرة بن جندب رضي الله عنه (أنه حفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سكتةً إذا فرغ من قراءة: غير المغضوب عليهم ولا الضالين) رواه أبو داود.
-
قال الترمذي رحمه الله: (وهو قول غير واحد من أهل العلم: يستحبون للإمام أن يسكت بعدما يفتتح الصلاة وبعد الفراغ من القراءة، وبه يقول أحمد وإسحاق وأصحابنا)؛ ا هـ.
- ولكن عدم ترك الإمام فرصة للمأمومين لقراءة الفاتحة لا يعتبر هذا عذراً لعدم القراءة وإنما يقرأها سراً، ثم يعاود الانتباه لما يقرأه الإمام، وفي حالة ترك قراءة الفاتحة عمداً تبطل صلاة المأموم، أما إذا تركها ناسياً وجب عليه الإعادة ومنهم من قال صلاته صحيحة بدون إعادة.
اقرأ أيضًا: ما هو حكم صلاة الجماعة عند الأئمة الأربعة؟
عند جمهور الفقهاء
جاء في حكم قراءة الفاتحة للمأموم أن الرأي الراجح هو قول جمهور الفقهاء أن قراءة الإمام في حد ذاتها قراءة للمأمومين، لذا لا يتوجب على المأموم قراءة الفاتحة خلف الإمام، ولا تنقص صلاته بدونها، ولكن يستحب قراءتها خروجاً من خلاف الفقهاء، ولكن في حالة عدم قراءة المأموم للفاتحة أخذاً برأي جمهور العلماء فصلاته صحيحة والله أعلم.
اقرأ أيضًا: حكم صلاة المنفرد خلف الصف
وختاماً نرجو أن نكون قدمنا لكم إجابةً وافية في مسألة حكم قراءة الفاتحة للمأموم فقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة، ورغم أن اختلاف العلماء رحمة للبشر، إلا إننا ننصح بقراءة الفاتحة بعد الإمام، كأفضل طريقة يمكنك اتباعها للخروج من الجدل السائر بين العلماء وعدم اتفاقهم في حسم هذه المسألة الفقهية الهامة.