فضل صيام يوم عرفة لغير الحاج وأقوال الفقهاء في هذا الأمر هو درس فقهي هام لكل مسلم يتمنى التقرب من الله ويستغل المنح التي يهبنا الله إياها من فضله وكرمه ليسهل علينا طريق جنته برحمته فتابعونا لمعرفة الحكم الفقهي لصيام هذا اليوم.
ما هو يوم عرفة
ينقسم تعبير يوم عرفة إلى جزأين، الجزء الأول هو يوم ويدل على أن هناك يوم محدد لهذا الحدث ولا يصلح هذا العمل إلا به، وهذا اليوم هو التاسع من ذي الحجة كل عام هجري، والجزء الثاني هو عرفة والذي يدل على مكان محدد لا يصلح العمل إلا به وهو موقف عرفة العظيم أو كما ذُكر في القرآن بلفظ عرفات في الآية الكريمة: (فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ).
والوقوف بعرفة يوم التاسع من ذي الحجة هو أحد أهم شعائر الحج الذي لا يصلح الحج بدونه في الإٍسلام، فيجب على كل الحجاج الوقوف بعرفة منذ فجر اليوم التاسع من ذي الحجة إلى فجر اليوم الذي يليه وهو اليوم العاشر من ذي الحجة وهو عيد الأضحى المبارك ويسمى أيضًا بيوم النحر.
ويمتد الحيز المكاني لموقف عرفة الذي يقف فيه الحجاج من الجبل الذي يطل على بطن عرنة والجبال المقابلة له إلى ما يلي حوائط بني عامر، فيجب على كل حاج الوقوف بهذا المكان حتى إذا لم يستطع صعود الجبل فيقف عندما يستطيع كركن أساسي من أركان الحج في الإٍسلام ليتم بقية الأركان في يوم النحر وأيام رمي الجمرات وغيره من مناسك الحج التي نص عليها الإسلام وشرحها لنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
شاهد أيضاً: فضل يوم عرفة مختصر
فضل صيام يوم عرفة لغير الحاج
إن يوم عرفة من أفضل الأيام التي رزقنا الله إياها، لذلك يجب على المسلم اغتنام هذه الفرصة والتقرب إلى الله فيها لينهل من خيراتها التي يمن الله بها على عباده في هذا التوقيت المبارك، فقد أتت الأحاديث تدل على أن يوم عرفة خير يوم طلعت فيه الشمس من أيام العام، وورد الكثير من الأفضال التي يهبها الله لمن يحسن العبادة في هذا اليوم المبارك، وإليكم بعض أفضال هذا اليوم كما نصت السنة المباركة:
- صيام يوم عرفة يغفر الله به للعبد الصائم ذنوب سنة سابقة وسنة لاحقة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “صِيَامُ يَومِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ علَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتي بَعْدَهُ”.
- الصدقة والأعمال الصالحة في يوم عرفة أو العشر الأوائل من ذي الحجة عمومًا أحب إلى الله من أي عمل آخر، وتعادل بذل النفس والمال في سبيل الله، وفي ذلك قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: “ما مِن أيَّامٍ العمَلُ الصَّالحُ فيهنَّ أحبُّ إلى اللَّهِ مِن هذهِ الأيَّامِ العَشر فقالوا: يا رسولَ اللَّهِ ولا الجِهادُ في سبيلِ اللَّهِ؟ فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: ولا الجِهادُ في سبيلِ اللَّهِ إلَّا رجلٌ خرجَ بنفسِهِ ومالِهِ فلم يرجِعْ من ذلِكَ بشيءٍ”.
- الإخلاص في العمل في هذا اليوم والإكثار من الأعمال الصالحة قد يكون المنجي للعبد من النيران حيث يتفضل الله على عباده في هذا اليوم بالعتق من النيران وغفران الذنوب جميعها كما أخبرنا حبيبنا ونبينا صلى الله عليه وسلم: “ما مِن يومٍ أَكْثرَ من أن يُعْتِقَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ فيهِ، عبدًا أو أمةً منَ النَّارِ، مِن يومِ عرفةَ، وأنَّهُ ليَدنو، ثمَّ يُباهي بِهِمُ الملائِكَةَ”.
- يوم عرفة من أسوأ الأيام على الشياطين الذين يحترقون فيها غيظًا من كثرة الغفران للإنسان وإنابته إلى الله وتقبل الله _عز وجل_ لعباده الذين أسرفوا على أنفسهم وعادوا إليه تائبين، فقد أخبرنا الرسول “ما رُئِيَ الشَّيطانُ يَومًا هو فيه أصغَرُ، ولا أدحَرُ، ولا أحقَرُ، ولا أغيَظُ منه يَومَ عَرَفةَ، وما ذاك إلَّا لِمَا يَرى مِن تَنزُّلِ الرَّحمةِ، وتَجاوُزِ اللهِ عنِ الذُّنوبِ العِظامِ.
شاهد أيضاً: دعاء يوم عرفة مكتوب 2021م /1442هـ
خصائص يوم عرفة والأيام العشر
قد خص الله العشر الأوائل من شهر ذي الحجة بعدة فضائل ومناقب خاصة بها وحدها، لذلك يحرص المسلمين في كل بقاع العالم على التقرب إلى الله في هذه الأوقات، وإليكم بعض من هذه الفضائل:
- قد خص الله هذه الأيام بثنائه في القرآن الكريم، وهم من الأشهر الحرام الذي خصهم الله بالمنافع والخيرات، وقد قال الله _تعالى_ في كتابه الكريم عن هذه الأيام: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ).
- عظمها الله _تعالى_ وأعلى من شرفها وقدرها حيث أنه أقسم بها في سورة الفجر حيث قال _تعالى_: (وَلَيَالٍ عَشْرٍ).
- كرم الله _عز وجل_ هذه الأيام بأن أتم دينه الكريم فيها وأنزل فيها آخر آيات الذكر الحكيم، حيث أنزل الله _تعالى_ فيها هذه الآية المباركة التي أعلنت إتمام الرسالة النبوية وهي: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا)
- يفرح الله _تعالى_ بعباده المخلصين الذين أتوا للحج من بقاع الأرض المختلفة ويباهي بهم ملائكته كما أخبرنا رسولنا الكريم قائلًا: “إنَّ اللهَ يُباهِي بِأهلِ عَرَفَاتٍ أهلَ السَّماءِ ، فيقولُ لهُمْ : انظُروا إلى عِبادِي جَاءُونِي شُعْثًا غُبْرًا”.
شاهد أيضاً: تهنئة عيد الأضحى إسلامية 1442/2021
فضل صيام يوم عرفة لغير الحاج وحكمه للحاج وغير الحاج
قد ذكرنا لكم فضل صيام يوم عرفة لغير الحاج وما فيه من خير عظيم للإنسان، ولكن ما هو حكم الصيام لغير الحاج فقهيًا وهل يأثم غير الحاج إذا ترك صيام هذا اليوم العظيم، وهل صيام يوم عرفة يقتصر على غير الحاج أم يشمل الحاج أيضًا؟ وإليكم إجابة هذه الأسئلة فقهيًا نظرًا لأهميتها لكل مسلم على وجه الأرض يسعى لرضاء الله _عز وجل_ ويريد التقرب بطاعته والابتعاد عن مخالفته، وقد جاء حكم صيام يوم عرفة للحاج وغير الحاج على النحو التالي:
- بالنسبة لغير الحاج: اجتمع الفقهاء على ندب واستحباب صيام يوم عرفة، وذلك يعني أن غير الحاج يثاب على صيامه ولا يأثم إذا ترك الصيام، ولكن للصيام فضل كبير كما ذكرنا في السطور السابقة.
- بالنسبة للحاج: اختلفت المذاهب حول صيام الحاج ليوم عرفة على النحو التالي:
- فقهاء المذهب الحنفي والمالكي: يرون أن صيام الحاج ليوم عرفة مكروهًا، وقيد فقهاء الحنفية الكراهة بكون الصيام سيضعف الحاج أما إذا كان لن يتسبب في ضعفه في عبادة الحج يذهب الكراهية.
- فقهاء المذهب الشافعي: يرون الشافعية أن صيام الحاج ليوم عرفة جائز في حالة إقامته في مكة وذهابه إلى عرفة في الليل أما إذا كان مسافر أو سيذهب إلى عرفة في أثناء النهار فصيامه مخالف لفقه الأولويات حيث أن مناسك الحج أولى به من الصيام، والجدير بالذكر أن الشافعية يرون سن الإفطار للصائم في أي حال.
- فقهاء المذهب الحنبلي: يرون أن صيام الحاج يوم عرفة مستحب إذا كان سيقف في عرفة أثناء الليل ولكن إذا كان سيقف عرفة في أثناء النهار فإن صيامه ليوم عرفة أثناء الحج مكروه.
شاهد أيضاً: الرد على عيدك مبارك
سبب كراهية صيام يوم عرفة للحاج
قد يندهش البعض من رأي بعض الأئمة والفقهاء حول كراهية صيام يوم عرفة للحاج على الرغم من استحباب وفضل صيام يوم عرفة لغير الحاج، ولكن هذا أمر معروف عند فقه الأولويات، فلا شك أن عبادة الحج من أهم العبادات في الإسلام وهي من أركان الإسلام الخمسة وفريضة على كل مسلم بالغ عاقل، فهي أولى من غيرها من العبادات.
كما أن عبادة الحج من العبادات المرهقة جسديًا حيث يحتاج فيها الحاج إلى التنقل من مكان لآخر والتهليل بصوت عالٍ مع الصلاة والدعاء وغيرها من الأعمال، لذلك يجب أن يتقوى على هذه العبادات ليستطيع إتمامها، ولما كان الصوم قد يضعف جسد الإنسان فترة الصيام ويعيقه عن أداء هذه العبادات التي تحتاج النشاط الجسدي، فإن عدم الصيام أولى بل إذا كان الصيام سيعيق قدرة الإنسان على إتمام هذه المناسك فهو مكروه بلا شك، وقد حدثنا رسولنا الكريم في هذا الأمر حيث قال: “أنَّ نَاسًا تَمَارَوْا عِنْدَهَا يَومَ عَرَفَةَ في صَوْمِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ بَعْضُهُمْ: هو صَائِمٌ، وقالَ بَعْضُهُمْ: ليسَ بصَائِمٍ، فأرْسَلَتْ إلَيْهِ بقَدَحِ لَبَنٍ وهو واقِفٌ علَى بَعِيرِهِ، فَشَرِبَهُ”.
وبهذا نكون انتهينا من توضيح فضل صيام يوم عرفة لغير الحاج وحكمه له وللحاج أيضًا، وندعو الله أن يبلغنا إياه على كل خير وأن يعيده علينا وعلى الأمة الإسلامية بالخير واليمن والبركات، وكل عام والأمة الإسلامية بخير، وإلى اللقاء في حديث آخر بإذن الله.