إن الغزو الروسي لأوكرانيا هو حدث له تبعات كبيرة ليس فقط في مجال السياسية وإنما في مجال التمويل والاقتصاد، فقد أثرت هذه الأحداث على التجارة بالسلع العالمية وخاصة القمح والمعادن وغيرها، كما أثرت على مجال الطاقة وأسواق منتجاتها، فقد حظرت الولايات المتحدة واردات النفط وقلصت واردات الغاز من روسيا وارتفع سعر برميل النفط إلى أعلى من 120 دولاراً أمريكياً للبرميل الواحد مؤخراً، كما ارتفعت أسعار الغاز المسال كذلك لتصل إلى مستويات غير مسبوقة في أوروبا، وإن ارتفاع أسعار هذه المنتجات يجعل مصادر الطاقة البديلة أكثر جاذبية، حيث يصبح الفرق في التكلفة ضئيلاً جداً إن لم يكن لصالح مصادر الطاقة البديلة بعد فترة.
إن ارتفاع أسعار منتجات الطاقة من شأنه أن يسرع عملية الانتقال نحو مصادر الطاقة النظيفة على الرغم من أن الاقتصاد العالمي لا زال يعتمد على النفط والغاز إلى حد كبير، ويظهر الانتقال إلى سلع الطاقة النظيفة واضحاً في مجال السيارات الكهربائية حيث إن السوق في حالة نمو واعد ويجب متابعة آخر أخبار النفط لتوقع الاتجاه المستقبلي.
الطلب على السيارات الكهربائية في اتجاه صاعد
ارتفع الطلب على السيارات الكهربائية في السنوات القليلة الماضية ومن المتوقع أن تفوق نسبة النمو المركبة في هذه السوق 80% سنوياً، وبحسب إحصاءات وكالة الطاقة العالمية فإن مبيعات السيارات الكهربائية قد بلغت ٦ ملايين وستمئة ألف وحدة في عام ٢٠٢١ أي أنها نمت بنسبة 300 بالمئة عما كانت عليه قبل عامين.
في عام 2019 بيعت 2.2 مليون سيارة كهربائية أي أقل من 3 بالمئة من مبيعات السيارات العالمية (أي أن مبيعات السيارات غير الكهربائية لا زالت هي الطاغية)، وفي عام 2020 انكمشت سوق السيارات بشكل عام، لكن سوق السيارات الكهربائية بقيت منتعشة حيث ارتفعت مبيعاتها إلى 3 ملايين سيارة أي ما نسبته 4.1% من إجمالي مبيعات السيارات.
النمو يتركز في الولايات المتحدة وأوروبا والصين
وشهدت أسواق السيارات الكهربائية نمواً ملحوظاً خاصة في الصين والولايات المتحدة وأوروبا، وهذا بالتزامن مع نمو المبيعات عالمياً حيث زادت هذه المبيعات بنسبة 160% في النصف الأول من عام 2021 عن العام الذي قبله، لتصل إلى 2.6 مليون وحدة، أي ما نسبته 26% من المبيعات الجديدة في سوق السيارات العالمي.
الصين لا زالت أكبر سوق للسيارات الكهربائية حول العالم
ولا زالت الصين أكبر سوق للسيارات الكهربائية في العالم، حيث بيعت أكثر من مليون سيارة في النصف الأول من العام الماضي 2021 أي ما نسبته اثنتا عشر بالمئة من المبيعات عالمياً، أما في الولايات المتحدة فلم تلق السيارات الكهربائية رواجاً مشابهاً حيث تم بيع ربع مليون سيارة فقط أي ثلاثة بالمئة من المبيعات عالمياً.
شراكة بين سوني وهوندا لإنتاج سيارات كهربائية لمنافسة تسلا
ومن الأدلة على أن السوق لا زالت في طور النمو ولم تصل إلى مرحلة النضج دخول المزيد من الشركات في هذا المجال، فقد أعلنت مؤخراً شركتا سوني وهونداي عن مشروع مشترك جديد بينهما لتطوير وبناء وبيع السيارات الكهربائية، حيث سيكون دور شركة سوني هو تطوير المنصة لتقديم خدمات التنقل بينما ستقوم هوندا بتصنيع السيارة الأولى، ومن المتوقع أن تبدأ المبيعات في عام 2025، وتركت سوني وهوندا المجال مفتوحاً أمام المزيد من الشركات للانضمام.
وكذلك فقد أعلنت بعض شركات السيارات عن أهدافها المتعلقة بالانتقال بعمليات التصنيع نحو صناعة السيارات الكهربائية، فمثلاً قالت فولكس فاجن إن نصف مبيعاتها ستكون من السيارات الكهربائية بحلول عام 2030، وقالت شركة فورد إنها تتوقع أن تكون مبيعاتها من السيارات الكهربائية بحلول عام ٢٠٢٣.
أما شركة تويوتا أكبر شركة لتصنيع السيارات في العالم فقد أعلنت عن استثمارات جديدة تصل قيمتها إلى 3.5 مليون سنويًا بحلول عام 2030 وتهدف إلى تحقيق مبيعات للسيارات الكهربائية.
وكل هذا يعني أن شركة تسلا تواجه الكثير من المنافسة في مجال السيارات الكهربائية على الرغم من أنها تعمل أيضاً على تصنيع سيارات ذاتية القيادة إلا أن هذا المشروع لا يمشي بالسرعة التي يعد بها إيلون موسك.
العوامل المحركة للطلب على السيارات الكهربائية
إن هناك العديد من العوامل التي تزيد أو تنقص من الطلب على السيارات الكهربائية عالمياً ومحلياً، وتبقى السياسات الحكومية هي القوة الدافعة الرئيسية لأسواق السيارات الكهربائية العالمية فمثلاً مبيعات السيارات الكهربائية مرتفعة للغاية بسبب دعم الحكومة لهذه السيارات بعدة طرق.
دعم الحكومات المختلفة للسيارات الكهربائية
وخلال عامي 2020 و2021 وضعت العديد من الحكومات أهدافها للتخفيض التدريجي من مبيعات سيارات محركات الاحتراق الداخلي خلال العقدين المقبلين، وكذلك فعلت العديد من شركات صناعة السيارات، وهذا أعطى دفعة للسيارات الكهربائية حيث أصبحت هذه السيارات هي تقنية النقل المفضلة للعديد من الحكومات وصناعة السيارات.
وهناك العديد من الإجراءات التي تقوم بها الحكومات بهذا الخصوص فمثلاً أعلنت الحكومة الأمريكية في نوفمبر 2021 عن هدف طموح لجعل 50% من السيارات كهربائية بحلول عام 2030 ودعم ذلك بمشاريع بنية تحتية مثل الإعلان عن تركيب نصف مليون نقطة للشحن لتعزيز ثقة المستهلك وتشجيعه على الشراء، أما في أوروبا فقد اقترحت مفوضية الاتحاد الأوروبي تخفيض مستوى انبعاثات ثاني أكسيد الكربون للسيارات الجديدة إلى الصفر بحلول عام 2035.
تحسن في الإنتاج
ومن ناحية الإنتاج فإن تحركات السوق في عام 2021 تظهر أيضاً نشاطاً مرتفعاً للغاية في صناعة السيارات، فقد ساعدت الإعلانات وإطلاق الطرازات الجديدة في تعزيز النظرة إلى أن مستقبل السيارات كهربائي، وعلى الرغم من هذا النشاط فلا زالت هناك تحديات تواجه النمو بسبب نقص إمدادات المكونات وزيادة أسعار بعض المدخلات.
الملخص
إن عملية الانتقال باتجاه استخدام السيارات الكهربائية في أنحاء العالم تمشي على قدم وساق، إلا أنه قد يستغرق الأمور عقداً أو عدة عقود من الزمن قبل أن تصبح جميع السيارات كهربائية فلا زالت هناك علاقة بين عكسية بين السيارات الكهربائية والبترول، وإن الانتقال نحو السيارات الكهربائية أمر مكلف خاصة من ناحية بناء البنية التحتية اللازمة لشحن السيارات وتزويد نقاط الشحن بالكهرباء وتصنيع هذه السيارات على نطاق واسع (الأمر الذي يتطلب أيضاً تقدماً في مجال تصنيع البطاريات)، لكن بشكل عام فإن هذه السوق لا زالت في حالة النمو وافقها واسعة.