ما الغاية من خلق الانسان هو الأمر الذي يشغل بال الكثير من الناس ويثير تساؤلاتهم، ومن المهم معرفة المقصد والهدف الذي من أجله كان وجود البشر، فذلك سيجيب عن الكثير من الإشكالات والشبهات التي يرددها الكثير من الملاحدة، والتي من الممكن أن تؤثر ببعض المسلمين، ولا بد للمسلم أن يعرف غاية وجوده في الحياة ليفوز وينال الدرجات العالية، ويهتمّ عبر هذا المقال بتوضيح ما الهدف من خلق الإنسان والغاية من خلق البشر.
ما الغاية من خلق الانسان
إنّ الغاية من خلق الإنسان هي أن يعرفوا الله تعالى، وصفات كماله عز وجل، وأن يعبدوه لا يشركوا به شيئًا، فيكون إلههم وحده، ومعبودهم ومطاعهم ومحبوبهم، يقول الله سبحانه وتعالى في سورة الذاريات: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ}.[1] فالله سبحانه وتعالى خلق الخلائق لعبادته لا لحاجته لهم، ولا بدّ من الإشارة أنّ الغاية المرادة من العباد هي ما تمّ ذكره، أمّا الغاية المرادة بهم فهي الجزاء بالعدل والفضل والثواب والعقاب، فيُثاب المطيع ويعاقب العاصي، فخلق الإنسان لم يكن عبثًا فقد قال جلّ من قائل: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ* فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ}.[2] فمعرفة الإنسان للغاية من وجوده ستدفعه ليعبد الله حقّ عبادته ويسبّحه كثيرًا ويستغفره كثيرًا.[3]
شاهد أيضًا: ما الفرق بين مفهوم العبادة الشرعي والمفهوم السائد عند الناس
مفهوم العبادة
ببيان ما الغاية من خلق الانسان فإنّ على كلّ مسلم أن يعرف مفهوم العبادة، والتي عرّفها أهل العلم أنّها اسمٌ جامعٌ لكلّ ما يحبّه الله تعالى ويرضاه من قولٍ أو عمل ظاهرٍ كان أو باطن، والعبادة تتضمن غاية الذل والحب، فهي ذلّةٌ ومحبّةٌ لله سبحانه دون خلقه، وهي المضمون الشامل في دعوة الرسل عليهم السلام، حتّى الملائكة في السماء يعبدون الله حقّ عبادته، ويقول الله سبحانه في محكم تنزيله: {وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ * إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ}.[4] فالعبادة انقيادٌ تامٌّ وخضوعٌ لله سبحانه وتعالى بالمطلق، والتقرب إليه بالأعمال المشروعة والأفعال والأقوال.[5]
شاهد أيضًا: صرف نوع من انواع العبادة لغير الله
حاجة الإنسان للعبادة
خلق الله الإنسان وفطره على العبادة وجعلها الغاية من خلق الانسان، وإنّ حاجة البشر للعبادة أكثر بكثيرٍ من حاجتهم لما سواه، فالإنسان لا بدّ له من معرفة كيف يرضي الله ومتى يسخط منه، وقد فطر الله تبارك وتعالى الناس من القدم على التوجه لله بالعبادة، ولو انحرفت فطرتهم فهم لا ينكرون وجود الرب بل كانوا يشركون به ويعبدون شيئًا من خلقهم، فالفطرة والحاجة موجودة لكنها انحرفت، والفطرة السليمة تقتضي عبادة الله الواحد القهار، وحاجة الإنسان إلى الله وعبادته تفوق كلّ حاجاته الحياتية، وتظهر هذه الحاجة من ضعف الإنسان أما مظاهر قدرة الله، فالإنسان أمام مظاهر الله ضعيفٌ ذليل، وقد عظمت حاجة الإنسان للجوء إلى الله والتوكل عليه، فبالعبادة تستقيم الحياة وتصلح أحوال المجتمع، ويعيش الإنسان مطمئنًّا مرتبطًا بالله سبحانه وتعالى، معتمدًا عليه إذا ألمت الشدائد.[6]
شاهد أيضًا: شروط قبول العبادة النفي والاثبات
الشمولية في مفهوم العبادة
إنّ العبادة هي الغاية من خلق الانسان، ولكنّ العبادة لا تقتصر على تعريفها الشرعي الذي تمّ ذكره بل هي أعمّ وأشمل من ذلك، فالعبادة شاملة لكلّ جوانب الحياة، فالحياة كلّها مسرحٌ للعبادة، وذلك إذا اقترن الأعمال كلّها بحسن النية وإخلاصها لله سبحانه وتعالى، فالأعمال الصالحة كلها والتي لم تكن أعمالًا تعبدية بحتة يمكن ان تكون عبادة بنية إرضاء الله بها، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: {كُلُّ سُلامَى مِنَ النَّاسِ عليه صَدَقَةٌ، كُلَّ يَومٍ تَطْلُعُ فيه الشَّمْسُ، يَعْدِلُ بيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، ويُعِينُ الرَّجُلَ علَى دابَّتِهِ فَيَحْمِلُ عليها، أوْ يَرْفَعُ عليها مَتاعَهُ صَدَقَةٌ، والكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وكُلُّ خُطْوَةٍ يَخْطُوها إلى الصَّلاةِ صَدَقَةٌ، ويُمِيطُ الأذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ}.[7] وحتّى السعي في أمور المعيشة فهي في سبيل الله، حتى الأعمال الغريزية إذا كانت بنيّةٍ صالحة فهي عبادة، والأكل والشرب وغيره والله أعلم.
شاهد أيضًا: كيف تحقق العبادة الخضوع والانقياد لله تعالى
مظاهر التكريم الإلهي للإنسان
قد فضّل الله سبحانه وتعالى الإنسان على سائر البشر، فهو سيد الخلق وإمامهم وهو المكرم المفضل عليهم، فبإدراك البشر ما الغاية من خلق الانسان سيعرفون مظاهر التكريم الإلهي للإنسان، وقد قال تعالى في كتابه العزيز: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}.[8] ويمكن اختصار مظاهر التكريم للإنسان كما يأتي:[9]
- التكريم بالخلق والإيجاد: ومعناه أنّ إخراج الإنسان وإيجاده من العدم للوجود هو تشريفٌ وتكريم، فهو الذي سيكون الخليفة في الأرض وهو المكلف بالعبادة والتوحيد، فلو اجتاز الحياة الدنيا بتحقيق الغاية التي خلق لأجلها اجتاز الصراط ونجا.
- التكريم بتسخير الكون له والإمامة فيه: فالإنسان هو سيد الخلائق، وهو الدال على الله في كونه، وقد استحق ذلك بعد أن حمل الأمانة، فهو المُهيّأ لاستقبال الخطاب القرآني وتبليغه، فإمامة الإنسان لا تكتمل إلا إن كان المأموم يتبع الإمام ويطيعه، والإنسان مغروزٌ فيه قصد المتبوعية لله، وكذلك حبّ البقاء والإمامة والاستزادة من طول العمر.
- التكريم بالفطرة والهداية إلى الإسلام: فالفطرة هو الإحساس الروحي الذي يولد مع الإنسان، ويدفعه لتوحيد الله تعالى، والإقرار بضعفه أمام عظمة الخالق، والفطرة منحة من الله وهبة للناس أجمعين، والتي تتدخل عوامل البشر الأخرى لتنميتها أو كسرها وإفسادها، ومنها يكون الأصل الشعوري للإسلام والرغبة فيه، فكلّ من تميل نفسه للإسلام ففطرته سليمة، وذلك أنّ الإسلام يوافقها.
شاهد أيضًا: ما الدليل على وجوب إخلاص العبادة لله وحده؟
الغاية من خلق البشر وتعريف العبادة لغة واصطلاحا pdf
إنّ البشر جميعًا دائمًا ما يبحثون عن ما الغاية من خلق الانسان، وقد تمّ بيان ذلك بالأدلة العقلية والقلبية والشرعية، والغاية من ذلك هو تحقيق العبودية لله سبحانه وتعالى، ومن أجل ذلك سيتمّ تقديم الغاية من خلق البشر وتعريف العبادة لغة واصطلاحًا بصيغة pdf، والذي يمكن الحصول عليه “من هنا“.
إلى هنا نصل لختام مقال ما الغاية من خلق الانسان والذي تمّ فيها تعريف مفهوم العبادة، وحاجة الإنسان لها، وبيان مظاهر التكريم الإلهي للإنسان، وتوضيح معنى شمولية العبادة في الحياة وكيفية تحقيقه.
المراجع
- ^
سورة الذاريات , الآية 5657 - ^
سورة المؤمنون , الآية 115116 - ^
islamqa.info , سائل يقول : لماذا خلق الله الخلق وهو يعلم مصيرهم في الجنة أو النار ؟! , 16/01/2022 - ^
سورة الأعراف , الآية 205206 - ^
alukah.net , مفهوم العبادة , 16/01/2022 - ^
islamweb.net , حاجة البشر إلى الدين , 16/01/2022 - ^
صحيح البخاري , البخاري/ أبو هريرة/ 2989/ صحيح - ^
سورة الإسراء , الآية 70 - ^
alukah.net , التكريم الإلهي للإنسان من الخَلق إلى الإسلام , 16/01/2022