30 حاسة جديدة لمجانين قصيدة النثر !

اختار الشاعر محمد خضر في كتاب صدر حديثاً قصيدة النثر في السعودية، ليطلّ على مشهدها الثقافي بـ«30 حاسة جديدة»، لقصيدة ولدت بلا ذاكرة، ولا آباء كما يقول، وواكبت وتأثرت بتمدد وتعدد التجارب، وانتشارها آنذاك في كثير من المجلات والصحف الثقافية في العالم العربي، وكذلك في دواوين شعرية لمجموعة من الشعراء كانوا قد بدأوا يحتلون مكاناً جيداً في أكثر من مشهد عربي، لكنها في السعودية ولدت في منتصف السبعينات بعد أن أصدرت الشاعرة فوزية أبو خالد أول مجموعة شعرية تنتمي إلى فضاء قصيدة النثر، واختارت لها عنوان «إلى متى يخطفونك ليلة العرس؟»، مروراً بالثمانينات وعدد من الإصدارات الشعرية، والتسعينات التي بدأت فيها التجربة بشكل أوسع واستمرّت إلى اليوم.

هذه المختارات التي صدرت عن نادي الطائف الأدبي بالتعاون مع دار ميلاد للنشر والتوزيع في 195 صفحة من القطع المتوسط، امتازت بملامحها الفنيّة، ومضامينها المختلفة، إضافة إلى تعبيرها عن أسئلة كل مرحلة في ظل ظروف ومتغيرات سياسية واجتماعية وثقافية، لكنها كما يقول محمد خضر ظلت القصيدة التي اختارت أن تعبر عن اليومي والمعاش والذاتي والفرداني وغير المألوف والمتنافر والفوضى الخلاقة وأسئلة الحياة الجديدة والنأي عن القضايا الكبرى واتحاد المتناقضات والقطيعة مع جماليات التناغم وسلطة التراتبية المركزية الشعرية ذاهبة من شعرية الشكل إلى الموقف والحالة وتلك الكتابة المشاغبة التي ترفض أن تركن إلى ما يحد أفقها أو لأي شكل ثابت، فتُكتب بأدوات السرد أو السطور القصيرة والشذرة والنصوص الطويلة وغيرها وتُكتب مفيدة ومتقاطعة كذلك مع فنون أخرى، فنقرأ التجربة التي تتماهى مع الفن التشكيلي، ومع الأفلام، والفلسفة، والغوتوغرافي، كتابة تذهب إلى التجريب المستمر وبمقترحات جمالية جديدة في كل مرة.

هذه المختارات التي جمعت تجارب شعرية مختلفة لـ36 شاعراً سعودياً وشاعرة من أكثر من جيل، فيما بلغت القصائد المختارة 70 قصيدة لشعراء مثل عبدالله السفر، وأحمد الملا، وزياد السالم، ومحمد الدميني، ومحمد الحرز، وشريف بقنة، وعبد الرحمن الشهري، وعبدالله ثابت، وعبدالوهاب العريض، وغسان الخنيزي، وأحمد الصحيح، وأحمد الواصل وآخرين. ومن الشاعرات فوزية أبو خالد، ووفاء الراجح، وسمر الشيخ، وإيمان الطنجي، وبثينة اليتيم، وعائشة إبراهيم وأخريات. تراوحت هذه المختارات بين قصيدة وثلاثة قصائد لكل شاعر وشاعرة، ورتّبت الأسماء فيها بحسب حروف الهجاء.

وكما قال محمد خضر في مقدمته لهذه المختارات إنها ليست بالطبع مستوفية لكل التجارب الشعرية، لكنها مفتاح للقراءة والاكتشاف، وإن كان ينقصها (كما أرى) أنها لم تقدم للقارئ نبذاً يسيرة عن الشعراء والشاعرات، كبداياتهم مع كتابة قصيدة النثر، والدواوين التي طبعت لكل منهم، وتواريخ الميلاد التي يمكنها أن تميز هذه التجارب بشكل كبير، وليتمكن القارئ الذي لا يتابع انتشار هذه القصيدة ولا كتّابها من التعرّف بشكل أكبر على حركة هذه القصيدة والإنجازات التي تمت فيها، ولعلّ ما يحمد لهذه المختارات أنها انتقت قصائد جميلة ومعبّرة تنم عن ذائقة أدبية رفيعة، وإلمام كبير بهذه التجربة الشعرية وكتّابها، إضافة إلى تنوّع الشعراء والشاعرات البارزات في هذا الفنّ لتؤكد أنّ هذا النوع من الكتابة بات مقروءاً اليوم، ومكتوباً، ومنافساً إن لم يكن متجاوزاً الكتابة العمودية وقصيدة التفعيلة.