| «أحمد» من حرفي لـ«ساعاتي» متجول: «تعبت ونفسي في كشك»

في ركن منعزل بأحد شوارع الجيزة، افترش رجل ستيني الأرض في هدوء، واضعًا أمامه كرسي صغير مصنوع من الخشب عليه أدوات تصليح الساعات، من «ملقاط» وعدسة مكبرة، وسوار الساعات، وبين الحين والآخر يقف أمامه شخص عابر خالعًا ساعته من معصمه ليقول له شكواه، فيضع العدسة المكبرة على عينيه وينهمك عابسًا في العمل لدقائق معدودة، ليحصل نظير عمله بضع من الجنيهات.

«أنا عايش وحيد.. ونيسي هما عقارب الساعات من سنين» بتلك الكلمات بدأ «أحمد إمام» حديثه مع «»، إذ اضطرته الحياة أن يعيش في أواخر سنوات عمره وحيًدا بلا زوجه أو أطفال، وذلك بعدما طلبت زوجته منذ حوالي 20 سنة أن يطلقها لضيق الحال، وعدم قدرته على الإنفاق عليها، ليقرر بعدها أن يستكمل حياته دون زواج وأطفال حتى لا يظلم أحد معه مرة أخرى: «اتجوزت مرة واحدة وربنا مرزقنيش بأطفال، ومن وقتها وأنا وحيد».

البحث عن مهنة أخرى

كان يقطن «أحمد» في حي الجمالية مع أسرته منذ الطفولة حتى زواجه في منطقة الوراق بالجيزة، وبدأ مسيرة العمل منذ عمر الـ16 عاما، في حرفة التطعيم بالصدف، وأبدع بها حتى وصل في سن العشرينيات إلى لقب «أسطى»، ويتذكر عمله في التطعيم بالصدف قائلًا: «مكملتش تعليمي بس بقيت حرفي شاطر، بتجيلي قطعة الخشب ملهاش شكل أحولها لقطعة فنية»، إذا كان يستخدم الصدف في تطعيم الكراسي الخشبية والشكمجيات، وحامل المصحف، حتى تدهور العمل في الورشة التي عمل بها حتى أوائل التسعينيات من القرن الماضي، ليقرر البحث عن مهنة أخرى توفر له قوت يومه هو وأسرته.  

امتهن «أحمد» تصليح الساعات بالعمل في أحد محال خان الخليلي، إذ ذهب إلى صاحب المحل طالبًا منه أن يُعلمه أسس تصليح الساعات وكيفية فكها، وفهم شفراتها، حتى استطاع بعد القليل من الوقت أن يتعلم أصول المهنة، وبعد 4 سنوات من العمل في هذا المحل، قرر أن يتركه ويؤسس عمله الخاص: «أجرت محل لوحدي واشتغلت فترة كبيرة مع نفسي لحد ما الحال وقف ولقيت نفسي في الشارع».

تأسيس منزل الزوجية

في الوقت الذي أسس فيه «أحمد» عمله الخاص في تصليح الساعات، قرر أن يؤسس منزل الزوجية في حي الوراق، ولكن بعد فترة تزايدت عليه الأعباء المادية ولم يستطع أن يدفع الإيجار لصاحب المحل، حتى قرر أن يطرده ليجد نفسه في الشارع بلا عمل: «مراتي مقدرتش تستحمل وطلبت الطلاق، فبقيت من غير شغل وعيلة»، وواصل حديثه بعين دامعة، أنه بجانب ذلك انشغل أخواته وأقاربه كل منهم في حياته دون الاهتمام به وبحاله أو السؤال عليه لسنوات طويلة، رغم مقدرتهم المادية على مساعدته، وفقًا لتعبيره.  

انتهت قصة أحمد بشراء الكرسي الخشبي، ليلف في شوارع الجيزة والوراق والمنيب بأدوات تصليح الساعات ليوفر مصاريف معيشته وإيجار الشقة الصغيرة التي يقطن بها: «قولت أشتغل بدل ما أمد أيدي لحد على كبر»، إذ يمر عليه من حين لآخر عابر يطلب منه تغيير بطارية أو جلدة الساعة مقابل 30 جنيها.

وطلب «أحمد» في نهاية حديثه أن يساعده أحد في الحصول على كشك صغير بجانب منزله في الوراق، لأنه كبر في السن ولم تستطع قدماه أن تواصل السير في الشوارع ساعات طويلة: «إيجار الشقة 650 جنيها غير الكهرباء والمياه.. ممكن أكل طول اليوم سندوتش واحد علشان أوفر مصاريف الإيجار».