أدوات حربية وأختام عثمانية..بحث «عمر» عن الأنتيكات من «السريح» للأسواق
بعد تجاوز عقارب الساعة الخامسة صباحا، وتأديته صلاة الفجر، يحمل حقائبه سريعا بين يديه الذين شقت داخلهم مهنته معالمها بشقوق إصابات صغيرة عديدة، تطيب حين يحتضن داخلهم راحتي صغيره الذي يرافقه بسعادة وحب بالغين، في رحلتهم لمئات الأميال بعيدا عن مسكنهم في مدينة المحلة الكبرى، ليطوفون القاهرة والإسكندرية بحثا عن قطع أنتيكات مميزة.
محمد عمر من مدرس أحياء إلى تاجر أنتيكات: هوايتي من صغري
منذ نعومة أظافره، جذبت الأدوات القديمة قلب محمد عُمر، فهوي جمع العملات والقطع الصغيرة التي ترجع للعصور القديمة بدأب وشغف بالغين «كنت بحوش مصروفي علشان أشتري حاجة»، لم يبددهما عمله كمدرس أحياء بالمرحلة الثانوية في مصر والسعودية، ليزدحم منزله الصغير، بحقائب ضخمة تضم قطع الأنتيكات والخردوات العديدة، حينها قرر أن يتجه لبيعهم.
قطع ثمينة جمعها «عُمر» من مختلف أنحاء مصر، أدرك قيمتها البالغة بمرور الوقت عقب بيعه أجزاء منها بأسعار زهيدة، ليقرر أن يتفرغ لتجارة الأنتيكات قبل أكثر من 5 أعوام، ليجوب أنحاء الجمهورية بحثا عن الأشياء النادرة، من مسقط رأسه بالمحلة الكبرى، ليطوف بالقاهرة والإسكندرية، أدرك من خلالها أن الخردة تختلف كثيرا عن الأنتيكة.
الجودة والصناعة اليدوية والندرة يحددون قيمة الأنتيكات: هنا مربط الفرس
رحلة طويلة يخوضها الأب الثلاثيني، ليصل إلى قطعة ذات قيمة، يعتمد في اختياره لها من كونها نادرة وجيدة الصنع وجودة عالية، ويفضل أن تحمل جانبا من الصناعة اليدوية، وهو ما يرتبط بعمر تلك القطع، حيث يعتمد فيه على التاريخ الذي تحمله، نظرا لأنه خلال العصور السابقة بمصر وأوروبا كان يتم ختم كل الأدوات لتحمل اسم الوالي والعام الصادرة به.
الوصول لتلك القطع المميزة، يبدأ من خلال جامع الروبابيكيا ثم المستودعات الحاضنة لها ومنها إلى المزادات أو الأسواق، حيث يتم تخصيص يوما لبيع الأنتيكات بكل مدينة، بجانب تجار العدد أو أصحاب المحلات القديمة، وفقا لـ«عمر»، الذي يمتلك وصفة خاصة لكل قطعة لإعادة الحياة إليها واستعادتها لرونقها، من النحاس «بنضفها بسنفرة وفرشة وكربونات صوديوم وملح ليمون وخل خام، فيبان شكلها والختم والتاريخ، والحديد عاملها خلطة وفي حاجات بتحتاج أنقعها».
تاجر الأنتيكات يجمع أدوات حربية وأختام عثمانية وقطع بريطانية: السعر يختلف
كما يتمكن من معرفة القطع الأصلية من المقلدة، عبر تلك الأختام وأدوات الصناعة نفسها وتضمنها لصناعة يدوية معروفة وخلوها من البلاستيك واحتوائها على الأدوات القديمة كالمستكة، وهي الخبرة التي امتلكها عبر العمل وقراءة الكتب وحديثه مع التجار القدامى بذلك المجال.
تلك الرحلة وجهود التلميع والتنظيف التي يخوضها «عُمر»، يحملهم ليزين بهم محله ومخزنه في مدينة المحلة الكبرى، لنشرهم عبر صفحته بموقع التواصل الاجتماعي، أو ليحملهم إلى زبائنه، وآخرين يجوب بهم بين الأسواق.
داخل شارع الألفي بمنطقة وسط البلد، بجوار «سينما ديانا» يحفظ الأب الثلاثيني لنفسه منضدة صغيرة يفترش عليها قطعه المميزة، يوم السبت من كل أسبوع، بين الكثير من تجار الأنتيكات القادمون من مختلف المحافظات، ببضائع تبدأ من الأوراق والمستندات والقصاصات والتذاكر القديمة للمفاتيح والدلايات والأختام واللوحات وزينة المنزل وقطع من عجلات إنجليزية قديمة وحنطور مصري وساعات حائط خشبية وأخرى بأحبال، يقبل عليهم محبو الأنتيكات من مختلف الأطياف المجتمعية الذين وقعوا في حب تلك المقتنيات.
يرى محمد عمر أن حب الأنتيكات يجمع بين الغني ومتوسط الدخل، والمصريين والعرب والأجانب أيضا، حيث يقبلون على قطع مختلفة من الموازين والعملات والمجلدات القديمة والأدوات الخشبية، والعدد الحربية التي ترجع للحرب العالمية الأولى والثانية من الكواريك والمناجل وبواقي السيارات والطائرات، فضلا عن حب جمع الأرابيسك والأبواب القديمة وساعات الحائط، حيث تختلف قيمة القطعة بحسب ندرتها وجودتها، فعلى سبيل المثال يبدأ سعر الميزان الزهري من 500 جنيه وحتى 5 آلاف، بينما تتجاوز أسعار الأبواب الـ30 ألف.
عُمر: احتفظ بقطع شديدة الندرة في بيتي منها أدوات حلاقة وميزان لعهد حسين كامل
ورغم مهنته التي تدر عليه جانبا ماديا مريحا، إلا أن عمر مازال يسيطر عليه حب اقتناء تلك القطع النادرة، فيحتفظ في منزله بميزان من عهد السلطان حسين كامل، ومطحنة لفترة الطهراء بعهد الدولة العثمانية وجرس لكنيسة منذ أكثر من 200 سنة، وأدوات حلاقة ترجع لعام 1927 بالمسنات الجلد وصفارات ومعالق قديمة، حيث يتمنى أن يتسع نطاق عمله على مستوى مصر وينتقل إلى محل آخر أكبر، كونه يأمل أن يرثها نجله الصغير الذي يصطحبه ببعض رحلاته البحثية.
ويزدحم محله بالمحلة الكبرى بقطع عسكرية ترجع للحربين العالميتين من مقصات حربية استخدمها الإنجليز لقص الأسلاك الشائكة، ومطارق للحفر وصفارات، يحملون الختم البريطاني، يجاورهم الأباريق النحاسية وأقفال وبواجير سويدي المنشأ منذ حقبة الثلاثينات، بجانب الكتب والمخطوطات النادرة التي ترجع إلى بداية الطباعة بالحجر في البلاد على أوراق الكتان.