جاء تحذير هيئة الأرصاد الجوية من أن مصر ستشهد موجة برد شديدة خلال شهر يناير نتيجة التأثر بمرتفع جوي قادم من جنوب أوروبا وشمال إفريقيا، ليدفع الكثير من المواطنين بتقليل تحركاتهم وعدم الخروج من المنزل إلا للضرورة القصوى تجنبا للإصابة بأي أمراض.
ولكن هذه التحذيرات لم تكن في حسبان الباعة في الشوارع أو أصحاب المقاهي، الذين تضطرهم الظروف للحصول على قوت يومهم من خلال العمل في الشارع بشكل يومي وأحيانا في ساعات مبكرة في الصباح دون وجود أي حماية من موجة البرد.
عبد الحليم بائع يعتمد على فرن البطاطا للتدفئة
وقف عبد الحليم حافظ أمام عربة البطاطا الخاصة به يفرك يديه محاولا منحها بعض الدفء، وكله أمل أن يبيع كل مخزون البطاطا الذي يملكه، ليذهب سريعا إلى منزله، فسنوات عمره الـ66 جعلت جسده العجوز غير قادر على مواجهة موجات الريح التي تلف الشوارع، رغم ارتدائه 4 جلابيب من الصوف بدا عليها القدم الشديد، و«طاقية» وشال ضخم، إلا أنه كان دوما يشعر بتجمد أطرافه وفي الآونة الأخيرة بات يفقد الإحساس بها تماما.
يقول «عبد الحليم»: «لولا الحاجة للأكل أنا ومراتي مكنتش نزلت في البرد ده، بس أنا مضطر، ومفيش وسيلة اتدفا بيها، كل ما أولع نار ولا حاجة، تتطفي بسبب البرد، وبقيت الوسيلة الوحيدة اللى بتدفا بيها هي نار الفرن اللي بشوى فيه البطاطا، بخلي أيدى جواه طول الوقت، حتى لو مفيش زبون بس ده طبعا بيعرضني للدخان وأنا صدري أصلا بيعاني من الحساسية ومش بعرف اخد نفسي بسهولة بحكم السن، بس هو أكل العيش مر هنعمل إيه».
فتحية تستعين بالفحم ومجدي يلجأ للشماسي
أما فتحية ابراهيم التي تملك «نصبة» في الشارع لبيع القهوة والشاي للمارة في منطقة الدقي، كانت المرارة تبدو في صوتها وهي تتحدث عن كيفية تعاملها مع موجات البرد القارس، فرغم سنوات عمرها الـ50 إلا إنها لا تملك رفاهية ترك العمل رغم صعوبته على جسدها المليء بالأمراض المزمنة مثل السكر والضغط، بالإضافة إلى الإنفاق على عائلتها: «مينفعش أوقف شغل وإلا هشحت من الناس، البرد شديد جدا يا ناس هنعمل إيه، قدر ربنا منقدرش نقول لأ، لكن بنعمل اللي في وسعنا، ساعات بجيب صفيحة مرمية في الشارع واملاها فحم وأولعها جنبي علشان أتدفى عليها وده بيكون في نص اليوم كده، يعني من الساعة 3 العصر، لكن في أول اليوم مش بلحق اعمل كده لأن الزباين بيكونوا مستعجلين بس أهو الحال ماشي وربنا اللي بيساعدنا نتحمل».
وفي محاولة لجذب الزبائن، قرر مجدي صابر صاحب مقهى في منطقة وسط البلد، اللجوء لتدفئة المقهى بكل وسيلة ممكنة، منها استخدام غطاء من البلاستيك لجوانب المقهى لتقليل الشعور بالبرد، إلى جانب استخدام «شماسي» في حال سقوط الأمطار: «القهوة من جوا بتتحول لتلاجة حتي مش بس على الزباين لكن عليا أنا شخصيا ومعايا العمال، فأحنا ركبنا واقى من البلاستيك الشفاف على الجوانب الخارجية للقهوة علشان تقلل الهوا اللى بيدخل جوا، وحطينا بره شماسي علشان لو في ناس قاعدة وفجأة الدنيا مطرت تكون حماية ليهم، وطبعا في السقعة دى الدخل قل بسبب أن مفيش ناس هترضى تيجي وتعد في قهوة في السقعة، لكن الموضوع نجح شوية أنه يجذب الزباين خصوصا خلال فترة الصبحية علشان يشوفوا ماتشات الدوري الإنجليزي، وساعات بالليل أوى بولع فحم علشان تدي شوية دفا للناس اللي قاعدة، لأن الجو بيكون مرعب من السقعة»