ليس هناك وقت محدد لتحقيق الأحلام، فطالما هناك يوم جديد إذا هناك فرصة لتحقيق هذه الأحلام، هذا ما تكشف عنه حكاية أحدث المنضمات لكلية الطب البشري بجامعة سوهاج، «لمياء فاروق إسماعيل»، التي نجحت هذا العام في تحقيق حلم عمره عشرات السنوات بعدما تخطت الثانوية العامة للمرة الثانية في حياتها بمجموع يضمن لها الالتحاق بإحدى كليات الطب البشري، بعد أن حصلت قبل ما يزيد عن عشر سنوات على بكالوريس التجارة، وبعدها تزوجت وأنشأت أسرة مستقرة وهادئة كان حصيلتها 3 أطفال ترعاهم حاليا إلى جانب دراستها وعملها.
حلم الطب البشري
الطالبة التي حصلت على جواب ترشحها للدراسة بكلية الطب البشري جامعة سوهاج مؤخرا، تكون لديها حلم الطب البشري منذ حداثة سنها حيث كان والدها يأمل أن يرى أحد أبنائه أو بناته يدرس بكلية الطب وبعدها يمارس عمله كطبيب يعالج المرضى ويشفي علتهم، موضحة أن غالبية أشقائها الرجال لم يكن هذا الأمر يحلمون به، وتركزت أحلامهم على إكمال دراستهم والسفر للخارج للعمل هناك، وهذا ما نجحوا في تحقيقه بالفعل، أما الفتيات فلم يكن هناك من بينهن تستهوي هذا الحلم سوى شقيقتها الكبرى لكن انشغالها بأمور منزلهم منعها من تحقيق هذا الحلم.
تقول «لمياء»، في حديثها مع «»، إنها حتى تحقق هذا الحلم فضلت حينها أن تلتحق بإحدى مدارس الثانوية العامة المعروف والمشهود بكفاءتها، لكن بعدها عن منزلهم مسافة 64 كيلو مترا وإجبارها على استخدام مواصلات لمدة ساعة كاملة يوميا، جعلها تقدم على التحويل من تلك المدرسة لكن كان مر حوالي أسبوعين من العام الدراسي، وهو ما جعلها مجبرة على الالتحاق بإحدى المدارس الخاصة، التي فوجئت بعد أن التحقت بها بأن جميع طلابها بالشعبة الأدبية وليس هناك أي طالب يدرس بالشعبة العلمية، «ساعتها لقيت نفسي مجبرة على الأدبي، لأن مدير المدرسة وصاحبها قالي مقدرشي أجيبلك مدرسين لمواد علمي لوحدك».
أمر واقع
ارتضت الفتاة الصعيدية بالأمر الواقع ودرست بالشعبة الأدبية لتنهي تلك المرحلة بالالتحاق بكلية تجارة جامعة سوهاج، وقبل أن تتخرج كانت قد نجحت في الحصول على أكثر من عمل، حيث تصرح: «اشتغلت في بنك من وأنا في سنة تالتة وكمان كنت مدربة في سنتر بيدي كورسات، وبعد كدا اشتغلت محاسبة في مديرية صحة عندنا وظيفة حكومية، بس حسيت إني مبعمليشي حاجة فسبت الشغل».
3 أبناء
بعد ذلك تزوجت خريجة كلية التجارة، وحينها أجلت حلم دراسة الطب البشري والعمل به لسنوات بإرادتها حتى تستطيع أن تكون أسرة مستقرة وهادئة وسعيدة رفقة زوجها، فضلا عن إنجابها لطفلين أكبرهم 7 سنوات حاليا.
خلال تلك الفترة افتتح والدها مشروع معرض أدوات منزلية، واعتمد عليها في إدارته وهو ما شغلها بعض الشيء عن حلم الطب البشري الذي لا يفارق مخيلتها، حتى هاجمها حلمها من جديد وتناقشت مع زوجها في الأمر الذي دعمها وشجعها بدرجة كبيرة لتقدم على تلك الخطوة، لدرجة أنه فاجأها بتقديم شهادة الإعدادية الخاصة بها بإحدى المدارس لتدرس بالثانوية العامة من جديد وهي في السن الـ28 حينها.
وهو ما جعلها موضع سخرية للكثيرين من حولها بعد هذا القرار الذي لم تجد تأييد وتشجيع عليه سوى من والدها وزوجها، «سمعت انتقادات وسخرية كتيرة، كانوا بيقولوا هتسيب والدها وتجري على سناتر الدروس»، لكن هذا لم يشغل بالها وسارت في طريقها نحو الطب البشري.
امتحانات على سنتين
بعدما فوجئت «لمياء» بما فعله زوجها وجدت نفسها مجبرة على الخضوع لامتحانات التيرم الأول من الصف الأول الثانوي بعد حوالي 3 أيام فقط من التحاقها بالدراسة: «وطبعا جبت ملاحق في حوالي 4 مواد، وحتى التيرم التاني كذلك جبت ملاحق في 3 مواد تقريبا، بس عرفت أعدي السنة في النهاية وكذلك سنة تانية ثانوي عديتها من غير ولا ملحق، رغم أن في الفترة دي ربنا رزقني بابني التالت».
حتى جاءت سنة الحسم، الصف الثالث الثانوي، الذي تعاملت معه الزوجة والأم الصعيدية على أنه عام الحياة والموت بالنسبة لها.
تحكي «لمياء»: «من اليوم الأول في السنة طحنت نفسي في المذاكرة وكنت باخد دروس في كل المواد، وفي مواد كنت باخد فيها درس واتنين وتلاتة، دي فرصتي اللي خدتها تاني، ومكنشي عندي أي استعداد أضيعها من إيدي تاني».
في سبيل تحقيق هذا الحلم كانت لا تنام الأم الصعيدية سوى ساعتين فقط يوميا، حتى تستطيع حضور كل دروسها ومذاكرة كل المواد الدراسية إلى جانب رعاية أولادها وزوجها وتلبية متطلباتهم الحياتية بشكل يومي، حسبما تكشف «لمياء».
قسم النساء والتوليد
مرت الساعات والأيام والشهور وخضعت «لمياء» إلى امتحانات الصف الثالث الثانوي العام الماضي 2020، باستثناء امتحان الفيزياء الذي فضلت تأجيله لعام 2021 بسبب بعض المشاكل الصحية التي هاجمتها قبل امتحان تلك المادة، لتنتهي الحكاية بالنهاية السعيدة التي تستحقها وتحصل الأم الصعيدية على مجموع 385.5 بنسبة نجاح 94.02%، ويصل إليها جواب ترشحها لكلية الطب البشري جامعة سوهاج، بعدما تم الإعلان مؤخرا عن نتيجة المرحلة الأولى من تنسيق الثانوية العامة، وتوضح «لمياء» في نهاية حديثها مع «»، أنها تميل بشكل كبير إلى التخصص بقسم النساء والتواليد، أو أقسام الرمد والجلدية والأطفال، لكن رغبتها الأولى تتمثل في قسم النساء والتوليد.