يشغل بال الكثير من العلماء خلال السنوات الماضية معرفة أسرار الثقب الأسود، بشأن تكوينه وسر جاذبيته الشديدة إذ أنه قادرا على ابتلاع كوكب بأكمله، ومع ذلك كان الأمر مجرد أحلام ونظريات على الورق، إلى أن استطاع علماء الفلك خلال العامين الماضين اكتشاف أول ثقب في مجرة درب التبانة ليثبتوا بذلك نظرية العالم الفيزيائي ألبرت أينشتاين التي تنبأ بها منذ عقود، والتي حملت مفاجآت للجميع.
وأوضح مايكل جونسون، عالم الفيزياء الفلكية، أنه تم رصد أول صورة مباشرة تؤكد وجود الثقب الأسود المعروف باسم «القوس A» في مجرة درب التبانة التي ينتمي إليها كوكب الأرض والنظام الشمسي بالكامل، وفي حين أن الثقوب لا تصدر أي أضواء إلا أن الصورة أظهرت ظل الثقب المحاط بحلقة ساطعة اعتمادًا على نظرية انحناء الضوء بسبب الجاذبية، بحسب موقع «سي إن إن».
اكتشاف أول ثقب أسود بمجرة درب التبانة
وشرح «جونسون» أن الثقب الأسود أكبر بنحو 4 ملايين مرة من الشمس، إذ يتمتع «Black Hole» بجاذبية كبيرة للغاية تمكن بها من جذب النجوم إليه وابتلاعها على مدار سنوات: «باستخدام صورة مرصد (Event Horizon Telescope)، قمنا بتكبير صورة الثقب ألف مرة، ووجدنا أنه يتمتع بجاذبية هائلة أقوى مليون مرة من الجاذبية المعروفة، إذ يعمل على تسريع المادة المحيطة به لتقترب من سرعة الضوء وبالتالي يتمكن من ابتلاع أي شيء قريب منه، وهو يبعد حوالي 27 ألف سنة ضوئية عن الأرض».
وأكد عالم الفيزياء أن النظام الشمسي موجود في أحد أذرع مجرة درب التبانة ولذلك فإن كوكب الأرض بعيدًا تمامًا عن الثقب الأسود الذي يبدو من بعيد وكأنه في حجم «الدونات»، ويبدو في الصور وكأنه حلقة سوداء أطرافها متوهجة، واستغرق علماء الفلك نحو 5 سنوات لالتقاط هذه الصورة وتأكيدها.
وأشار جيفري باور، الباحث بمعهد علم الفلك والفيزياء الفلكية والمسؤول عن مشروع «Event Horizon Telescope»، إلى أن مدى توافق حجم حلقة الثقب الأسود المكتشف مع النظرية النسبية العامة لـ«أينشتاين» كان أمرًا مذهلًا، إذ تقدم الصورة الملتقطة كيفية تفاعل الثقوب السوداء مع محيطها.
فريق من 300 باحث استطاعوا رصد الثقب الأسود
وتعود بداية الاكتشاف الفلكي المذهل، عندما لاحظ فريق من العلماء مكون من 300 باحث من 80 مؤسسة، نجومًا تدور حول بعض الأجسام الضخمة غير المرئية في مركز المجرة، ليجدوا أن هناك ثقب أسود يبتلع الغاز والضوء القريبين منه ما يجعله متوهجًا.
عمل الباحثون ضمن شبكة بحث عملاقة مكونة من 8 تلسكوبات راديوية مختلفة شكلت ما يعرف باسم تلسكوب «أفق الحدث» أو «Event Horizon Telescope» والذي تمكن من رصد الصورة، وهي ثاني صورة ملتقطة لثقب أسود بعد صورة الثقب التي التقطت عام 2019 في مجرة «إم 87» وأول صورة لثقب بمجرة درب التبانة.
و«أفق الحدث» هو عبارة عن تلسكوب افتراضي بحجم الأرض، ناتج عن ربط 8 تلسكوبات ببعضه، وتلك الصورة الملتقطة لـ الثقب الأسود، هي نتاج لعمل متواصل استغرق 50 عامًا لتحديد هوية الأشياء الموجودة في مركز مجرة درب التبانة، وفي عام 2017، استطاع العلماء رصد ضوءًا منبعث من إلكترونات متوهجة حول «القوس A»، ليجدوا أن ذلك القوس عبارة عن كتلة ضخمة وتتميز بجاذبيتها الهائلة ويُشتبه في كونها ثقبًا أسود، بحسب سيرا ماركوف، أستاذة الفيزياء الفلكية النظرية.