الذكاء الاصطناعي والقضاء
في عصر التكنولوجيا، اقتحم الذكاء الاصطناعي العديد من المجالات، وأظهر قدراته على تحقيق ما لا يمكن للبشر إنجازه بهذا الإتقان والسرعة، وساعدت دقته العديد من القطاعات على استغلال هذه التقنية لصالحها، وأدخلها بعض العلماء في تخصصات حساسة تتطلب قدرات خاصة، مثل القضاء، فهل ستحدد هذه الروبوتات مصيرنا في المستقبل؟
الذكاء الاصطناعي والقضاء
بحسب المتخصص في مجال الذكاء الاصطناعي والخبير التكنولوجي المهندس محمد محسن، فإن الاعتماد على التكنولوجيا يتزايد في جميع جوانب الحياة، بما في ذلك النظام القضائي، وأصبح من الواضح أن دمج هذه التكنولوجيا في الإجراءات القانونية يمكن أن يحدث تغييرًا جذريًا في كيفية تحقيق العدالة، وقد أثارت تطبيقات الـ«AI» في القضاء الكثير من النقاشات حول كفاءتها ودقتها وأخلاقياتها، ما يجعلها محط أنظار الباحثين وصانعي القرار، فيما يُستخدم الذكاء الاصطناعي في المجال القضائي لتحليل البيانات، وتوقع نتائج القضايا، وتقديم المشورة القانونية، بالإضافة إلى تسريع العمليات القضائية من خلال أتمتة الإجراءات الروتينية.
التحليل والتوقع
شرح «محسن» التخصصات التي يمكن أن يساعد فيها الذكاء الاصطناعي في مجال القضاء، ومن أبرزها مجال التحليل والتوقع، ويمكن لهذه التقنية أن تساعد في تحليل كميات هائلة من البيانات القانونية والتاريخية لتقديم تنبؤات بشأن نتائج القضايا، ما يُحسن دقة الحكم ويساعد المحامين في اتخاذ قرارات أفضل بناءً على معلومات مدعومة بالبيانات
وأشار الخبير إلى أن هذا الأمر مُستخدم بالفعل؛ فهي ليست توقعات مستقبلية، ففي محكمة الشعب المتوسطة الأولى في بكين، تقف «زياوفا»، الروبوت المخصص لتقديم المشورة القانونية، والذي يساعد الجمهور على فهم المصطلحات القانونية ويجيب على أكثر من 40 ألف سؤال في مجال النزاعات القضائية.
تعكس «زياوفا» تحول الصين نحو القضاء الذكي، حيث تتواجد أكثر من 100 روبوت في المحاكم، تعمل على تقليل أعباء العمل وتوفير الوقت من خلال استرجاع البيانات القانونية والأحكام السابقة.
التقنيات الحديثة في المحاكم
أشار «محسن» إلى بعض التقنيات الحديثة التي يتضمنها مجال الذكاء القضائي، مثل الفيديو كونفرنس، الذي يتيح للأطراف المشاركة في المحاكمات التواصل عن بُعد، وهذا يسهل الوصول إلى العدالة، خاصةً في الحالات التي يتعذر فيها حضور الأطراف إلى قاعة المحكمة، كما يمكن استخدام أدوات العرض التقديمي الحديثة لعرض الأدلة بشكل أكثر وضوحًا وتأثيرًا.
أنظمة إدارة القضايا
تُعتبر أنظمة إدارة القضايا أدوات حيوية في دعم الكفاءة، حيث تساعد هذه الأنظمة في تتبع القضايا، وإدارة المواعيد، وتخزين الوثائق، ما يسمح للمحاكم بتنظيم العمل بشكل أفضل وتقليل التأخيرات، بالإضافة إلى ذلك، تبرز قضايا حماية البيانات والأمان مع زيادة استخدام التكنولوجيا، إذ يجب أن تتبنى الأنظمة القضائية تدابير صارمة لضمان سرية المعلومات وحمايتها من الهجمات الإلكترونية للحفاظ على نزاهة العملية القضائية.
هل تحدد الربوتات مصيرنا في المستقبل؟
أجاب «محسن» عن السؤال الأكثر جدلًا حول هذه القضية، وهو الخوف من تحديد مصيرنا من قِبل الآلات في المستقبل، خاصة أن مجال القضاء حساس وحيوي للغاية، مردفًا: «بالفعل، بدأ استخدام الروبوتات كقُضاة في بعض الدول، ولكن يتم استخدامها فقط في القضايا الصغيرة، ولا يمكن استخدام الروبوتات في قضايا كبيرة مثل القتل».
وأشار إلى أن هذه الآلات لن تُعطى أدوارًا أكبر من حجمها في هذا المجال، خاصة بسبب إمكانية إدخال معلومات مُزيفة لها في بعض القضايا.
وأشار عملاق التكنولوجيا إلى عمليات التحييز التي تصدرها بعض الروبوتات حسب الدين أو الجنس، وهي واحدة من أبرز التحديات التي تواجهها هذه التقنية في هذا المجال، فعلى الرغم من الفوائد العديدة لهذه التقنية، إلا أن النظام القضائي يواجه بعص تحديات في عملية التحول الرقمي، من أبرز هذه التحديات هو مقاومة التغيير من قبل بعض الأفراد داخل النظام القضائي، بالإضافة إلى الفجوة الرقمية التي قد تؤثر على الوصول إلى العدالة في المجتمعات الأقل قدرة على استيعاب التكنولوجيا.
تجاوز التحيز البشر
يعمل العلماء حاليًا على تجاوز التحييز البشري من قِبل الربوتات، إذ أظهرت الأبحاث أن الذكاء الاصطناعي قد يقدم حلولًا لتجنب التحيزات البشرية في اتخاذ القرارات القانونية، إذ تتيح الخوارزميات تقييم المخاطر بشكل موضوعي الآن، وهو ما يعزز دقة القرارات المتعلقة بالإفراج بكفالة أو الحكم بالسجن، ولكن تبقى المخاوف قائمة حول كيفية الإشراف على هذه الأنظمة وضمان عدم تقليدها للانحيازات البشرية.